ليس خافيا الدور الذي تقوم به دولة الإمارات العربية المتحدة للتصدي لإرادة الشعوب العربية التي خرجت للمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية،
ومع تزايد المطالبات الشعبية في عديد البلدان العربية بقطع العلاقات مع دولة الأمارات أصبح لزاما علينا توضيح الصورة أملين أن يعيد القائمون على سياسة هذا البلد العربي الشقيق صياغة سياساتهم بما يتماشى ومصالح شعبهم أولا وبما لا يضر بمصالح الشعوب العربية الغاضبة.
الأمر الآخر الذي استدعى انتباه المتابعين هو السعي إلى الحصول على خدمات موظفين دوليين أو سياسيين غربيين والتعامل مع هذه الشخصيات تحت غطاء دبلوماسي أو أممي أصبح مكشوفا لكل المتابعين.
ففي الوقت الذي تزداد فيه الدعوات لمحاكمة "توني بلار" رئيس وزراء بريطانيا سابقا باعتباره مجرم حرب بعد اعترافاته الأخيرة بعدم قانونية الحرب على العراق، تطالعنا الصحافة البريطانية بأن " بلير" الذي يلعب دورالوسيط السياسي والتجاري في الشرق الأوسط سيقدم استشارات حول الإصلاح الاقتصادي لنظام عبد الفتاح السيسي بالتعاون مع فريق عمل تموله الإمارات العربية المتحدة. كما سعى الرجل إلى الحصول على عقد بقيمة تناهز 45 مليون دولار من الإمارات مقابل تقديم استشارات للدولة بما يتضارب مع عمله كمبعوث سلام للرباعية.
المثال الآخر هو إعلان الأكاديمية الدبلوماسية في دولة الإمارات يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني بأن "برناردينو ليون" مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا سيتولى منصب مديرها العام، وهو ما شكل فضيحة من العيار الثقيل كما أن قبول ليون لهذا المنصب يعتبر سلوكا مستهجنا وخيانة لدوره كوسيط أممي يفترض فيه عدم الانحياز وقد غلب مصالحه الشخصية أكثر من العمل من أجل السلام بليبيا باعتبار أنه ليس خافيا بأن الإمارات متهمة بدعم أحد طرفي "الحرب الأهلية" وصل الى حد التسليح المباشر للواء خليفة حفتر قصف أحياء سكنية من طرف الطيران الإماراتي بحسب حكومة طرابلس.
وكل ذلك يفقد الرجل سمة الحيادية في إدارته للملف الليبي ويضر بشكل كبير بسمعة الأمم المتحدة ودورها هذا فضلا عن الدور الذي لعبه عندما كان "مبعوث الاتحاد الأوروبي لدول جنوب المتوسط" وهو الرجل الذي قاد تغييراً كبيراً في مصر أدى لانقلاب عسكري خشن وساهم في طمس الحقائق والتستر على الجرائم التي ارتكبت في حق الوطن والشعب المصري.
ولكن ما أصبح أكثر خطورة الآن ووجب الانتباه اليه من أجهزة الدول المعنية هو ما اعتبره المتابعون مؤامرات مفضوحة - والتي كشف البعض منها – من تواتر كشف محاولات للتجسس لعل أشهرها ما كشف أثناء الحرب على غزة والآن في ليبيا مرورا بمصر وتونس واليمن وسوريا، فضلا عن ممارسات غير ودّية بالمرة تجاه العربية السعودية وتركيا وقطر ومالي وموريتانيا مما يطرح أكثر من تساؤل عن مغزى ورسائل سياسة حكام الإمارات العربية ولماذا كل هذا الحقد على إرادة الشعوب في التحرر مما يعتبر سلوكا عدوانيا قد يؤدي إلى إدراج البلاد ضمن البلدان الخطرة على الأمن والسلام ويتم تصنيفها ضمن البلدان المارقة عن القانون.
و نذكر هنا ببعض الممارسات التي أقدمت عليها سلطات دولة الإمارات لمحاولة التأثير على المسار الديمقراطي في تونس وطبعا هذه مجرد أمثلة للذكرى والتأمل على ضوء تصريحات رجالها ووكلائها ويمكن القياس على هذا وأكثر وخاصة في الملفين المصري والليبي أين تدخلت دولة الأمارات بشكل سافر في الشؤون الداخلية للبلدين وأسست لعداوة مع الشعبين لا يمكن فهم مراميها وتفكيك كل رموزها في الوقت الحالي.
فالحملات الإعلامية الكبيرة ضد الإسلاميين وخاصة في مصر والتمويل المكشوف للانقلاب العسكري هناك لإطالة مدة بقائه وتمويل شراء الأسلحة من فرنسا وروسيا والمحاولات المتواصلة للإطاحة بكل ما يرمز لثورة فبراير في ليبيا والدعم المقدم للجماعات المتمردة في اليمن وسوريا لا يمكن تبويبه في إطار العمل العربي المشترك والذي سيدفع الثمن هو المواطن الإماراتي الذي أصبح ينظر إليه بريبة كبيرة أينما حل.
أما في تونس، فإني أذكر ببعض الأمور ولعلي أجد نفسي مضطرا للتوضيح أكثر اذا ما لزم الأمر.
- سعى الإعلام الموجه خلال فترة حكومة الترويكا الأولى إلى إبراز المساعدات التي قدمتها حكومة دبي إلى المتضررين من الفيضانات حينها وحاولت ربطها بعجز الحكومة التونسية على إدارة الأزمة والتسويق المبطن لحاكم دبي وإظهار البلاد في صورة البلد الذي أصبح يعول على المساعدات الخارجية لحل مشاكل بسيطة.
- تكفل صندوق أبو ظبي للتنمية بتمويل الجزء الأكبر من ميزانية مؤسسة مشبوهة تعمل في تونس لتمويل أنشطة تابعة لأحزاب معارضة واتحادات وجمعيات تونسية تحت غطاء "رعاية الانتقال الديمقراطي".
- تم تمويل مشبوه وفيه اعتداء على سيادة الدولة من خلال تنظيم ندوة داخلية دعي اليها كل السفراء والقناصل والموظفين الدوليين التونسيين في الخارج وتم تمكين الجميع من تذاكر سفر وإقامة لمدة 3 أيام للحديث عن كيفية التعاطي مع المرحلة حينها والغريب في الأمر أن المشرفين على الفعالية كانوا من الموظفين الدوليين المعروفين بولاءاتهم وانتماءاتهم مما أضطر عددا من مؤسسات المجتمع المدني في جنيف إلى مراسلة الأمم المتحدة في نيويورك والتظلم من ذلك السلوك غير الودي من دولة خارجية والتنديد بالعمل الذي أقدم عليه موظفون دوليون مطلوب منهم النزاهة والحياد. ( راجع الروابط 1 و 2)
- حذرت العديد من المنظمات الحقوقية من الأحكام القاسية والإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها دولة الإمارات خلال السنتين الماضيتين وذلك أثناء ما عرف بمحاكمة الإصلاحيين والذين تمت محاكمتهم من طرف قضاة تونسيين كانوا يعملون في زمن نظام بن علي وخيروا الاستقالة بعد الثورة والذهاب للإمارات للقيام بالدور الذي يأبى آخرون القيام به وتم الإعلان آخر سنة 2012 بأن ثمانية قضاة جدد تم تعيينهم كقضاة في محكمة الاستئناف والنقض، وأدوا اليمين الدستورية أمام الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير شؤون الرئاسة ورئيس دائرة القضاء بإمارة أبو ظبي.
[ أحد مصادر الخبرو أسماء القضاة الذين تمت تسميتهم أسفل]
- تم استدعاء السفير الإماراتي بعيد خطاب الرئيس منصف المرزوقي في مقر الأمم في نيويورك وطالب فيه برفع حصار غزة وإطلاق سراح الرئيس محمد مرسي وزملائه. ولا ندري الى اليوم سبب الغضب الإماراتي هل هو موقف من غزة أم من الرئيس مرسي أم أنهم يعتبرون مصر محمية إماراتية ؟ فإن كان موقفا من غزة، فهي خدمة مجانية لإسرائيل وإن كان موقفا من الإخوان فهي إهانة لمصر لأنه تدخل مباشر في شؤونها.
- تمكين رئيس الدولة الحالي في تونس من سيارتين مصفحتين ومجهزتين بأحدث تقنيات التواصل مما يشكل خطرا على أمن البلاد وأصبح مدعاة للريبة لدى الليبيين وحكومة طرابلس القريبة جغرافيا من تونس نظرا أن بإمكان جهات عدة استخدام المعلومات والتجهيزات.
- محاولة التأثير على الشأن القضائي بعد أن فتحت السلطات القضائية التونسية قضية لدى مكتب التحقيق السادس وهي تتعلق بمشروع "سما دبي" بالبحيرة وتم تسجيل القضية تحت عدد 21083 وبالرغم من أنه لم يتم الى حد الآن اصدار بطاقة جلب دولية باسم حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل المكتوم رغم ما شاب هذا الملف من تجاوزات سيكشف عليها البحث، فإن السلطات الإماراتية سارعت إلى معاقبة التونسيين مما أدى إلى تعطيل مصالحهم من خلال منع التأشيرة عنهم والتضييق على بعض العاملين هناك. وقد اعتبر رفض منح تأشيرات سفر للتونسيّين إلى دولة الإمارات العربيّة المتحّدة بمثابة العقاب الجماعي للتونسيين الذين اختاروا نهج التوافق والتهدئة وعدم التدخل في عمل المؤسسات القضائية والأمنية.
وفي الختام نقول أنه من حق دولة "الإمارات العربية ألمتحدة أن تأوي على أراضيها من تريد وأن تعين من تريد في مؤسساتها وان تنفق أموالها فيما تراه صالحا لها ولكن عليها أن تأخذ في الحسبان تطلعات الشعوب الأخرى ورغبتها في تغيير أوضاعهم بما يتماشى ومصالحها أيضا.
ولكن رغم الريبة والتوجس من كل ما هو إماراتي حاليا، فإنني على يقين بأن شعبنا يكن مشاعر التقدير والاحترام الكبيرين لإنجازات المرحوم الشيخ زايد آل نهيان والأمل مازال معلقا على وعي الشرفاء من الإماراتيين بمتطلبات المرحلة والمسارعة الى حماية مصالح بلدهم قبل فوات الأوان.
فبلادنا تونس لم تتدخل يوما في الشأن الداخلي الإماراتي ودعمت هذا البلد ليتمكن من استرجاع أراضيه التي لازالت تحتلها إيران فضلا عن ملفات أخرى متعددة وكل ما هو مطلوب من الإماراتيين هو احترام إرادة شعبنا وديمقراطيتنا ونمط عيشنا.
للمزيد وتفاصيل اضافية
http://www.alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=24382
http://aljazeeraalarabiamodwana.blogspot.ch/2015/05/blog-post_51.html
مقال قدس برس بتاريخ الثلاثاء 16 تشرين أول (أكتوبر) 2012 تحت عنوان "منظمات حقوقية تحذر من استعانة الإمارات بقضاة تونسيين من نظام ابن علي لمحاكمة الإصلاحيين " وذكر مصدر تونسي أن القضاة كانوا يعملون في زمن الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، وقدموا استقالتهم في تموز (يوليو) الماضي تمهيداً للعمل في الإمارات. والقضاة هم: حسين بن عمر بن سليمة، وحسن بن عبدالله مبارك، وزهير بن أحمد اسكندر، رضا بن علي خماخم، ومراد بن علي خماخم، والصحبي بن المكي الطريقي، وسفيان بن عبدالرزاق البرجي.