تتداول بعض التدوينات(مثل تدوينة أبي يعرب الأخيرة) وبعض التعليقات عليها موضوع "مرض قيس سعيد" مرضا ليس من أنواع الأمراض اليومية السارية. في الحقيقة إذا كان السيد قيس سعيد (الإنسان) مريضا حقا فله مني كل مشاعر التعاطف الصادق وكل التمنيات بالشفاء، مع تسجيل وجوب احترام الحياة الشخصية للأفراد وخصوصياتهم الحميمية.
لكن المشكل مع الرئيس له وجهان كل وجه له علاقة بضرب مخصوص من الأهلية للقيادة: - وجه خاص بالمرض المنسوب إليه(واحد نفساني وآخر عضوي) في علاقته بالابتزاز الذي يفترضه البعض(أبو يعرب مثلا) الممارس من قبل ماكرون على قيس سعيد (إمكانية الكشف عن ملفه الصحي الذي يحتمل أن يكون مستولى عليه من قبل الفرنسيين) بما يسلبه الأهلية في مباشرة مهامه على رأس الدولة، بعد استبعاد البعض إمكانية عزله بسبب التمويل الخارجي لحملته بحكم صعوبة الحصول على إثباتات مستوفية للشروط القانونية، أو عزله بسبب تحيزه المذهبي(إن ثبت قطعا) بحكم وجوب احترام حرية الضمير والمعتقد. -
ووجه ثان ليس على علاقة بالضرورة بأحد نوعي المرض المنسوبين للرئيس. وهو مشكل قناعاته الشخصية التي يسقطها على أسلوبه في قيادة البلاد، مثل سوء علاقته بشركائه في الحكم، وسوء اختياره لمستشاريه ولطاقمه في القصر، وسوء ترشيحاته للمناصب والخطط التي يخول له الدستور اختيار من يتقلدها، وفشل تلك الترشيحات(في المجال الديبلوماسي مثلا)، وضعف أدائه الديبلوماسي، وتركه لصلاحياته ومناكفة شركائه في الحكم حول صلاحياتهم، وعدم عمله على التجميع وعلى تكريس معنى الوحدة الوطنية، وخطاباته المتشنجة والمُشنِّجة....الخ.
بخصوص الابتزاز المفترض من الطرف الفرنسي، فأنا أشجع الشعب التونسي على تحريره منه إذا كان نوع المرض الذي ابتلي به الرئيس، لو صح وجود هذا الأمر، لا يعيقه حقا، بغض النظر عن "التغفيسات" و"التزليطات" التي يأتيها بعيدا عن موضوع المرض، عن مباشرة مهامه القيادية العليا مباشرة عادية ولا يقدح أو لا يمس في شيء من أهليته لتلك القيادة.
فالشعب مثلا كان متفهما لمرض السبسي الذي ابتلي به بحكم تقدمه في السن. أما الوجه الثاني للمشكل مع الرئيس، فهو لا ينفع فيه التفهم والتعاطف، لأنه يتعلق بأمر موضوعي عقلاني، لا ذاتي إنساني. وهو قواعد قيادة الدولة وتصريف شؤونها وأسلوب تلك القيادة. وإنما يستوجب التعامل معه بما سطره الدستور والقانون وما سمح به نظامنا الديمقراطي من نقد ومعارضة واحتجاج وتصويب، وحتى العزل إذا ما توفرت الأسباب والشروط.