التكتيك الخبيث لمرتزقة غرفة العمليات الانقلابية هو المبادرة فورا باتهام الرافض لانقلاب 25 جويلية بالموالاة للنهضة، مهما كان انتماؤه السياسي، حتى إن كان زعيم الشيوعيين حمه الهمامي، وحتى إن كان مواطنا تونسيا مستقلا عاشقا للحرية.
وفي الحقيقة هذا سلاح هجومي ضعيف من الناحية العقلانية والأخلاقية والحقوقية وحتى من ناحية التأثير النفساني، إذا فُضحت خلفياته وتهاوت أسسه، كما سأعمل على تحقيقه في هذا المقال، خلافا لما يتوهم أصحابه الأغبياء. فإشهار هذا السلاح في وجه الرافضين للانقلاب يراد منه الإيحاء بأمرين(فالأمر يتعلق بعملية إرهاب نفسي) هما:
1- الاتهام بمناصرة الإسلام السياسي (الإخوان) بما يجعل المتهم به في حالة توجس من أن يكون أحد ضحايا حملة أمنية شرسة على الإخوان(النهضة). وهذا الخاطر إن وقر في النفس فقد يُلزم صاحبه بملازمة الصمت والانسحاب من ساحة المقاومة المدنية للانقلاب المقدمة الأقوى للاستبداد، فيخلو الجو لأعداء الديمقراطية والانتهازيين والحاقدين على المختلفين عنهم ليفرضوا مذهبهم الشعبوي الفوضوي.
ولكن الذي نجح الإسلاميون التونسيون في إقناع العالم الحر به، هو أنهم قادرون على التكيف الجيد مع الديمقراطية والالتزام بمبدإ مدنية الدولة والنأي بالنفس عن العنف وعن الإرهاب. والصورة التي تناقلتها وكالات الأنباء العالمية للشيخ الثمانيني زعيم الإسلاميين في تونس ورئيس برلمانها وهو يقف بجسده النحيل أعزل من كل سلاح إلا سلاح الشرعية الدستورية، منذ الثالثة قبل الفجر، أمام باب البرلمان التونسي المقفل والمحروس بدبابة الانقلاب، لأقوى من أي حملة دعائية مضادة ضد النسخة التونسية للإسلام السياسي.
2- تحويل الاجتهاد السياسي المخطئ لقادة النهضة وسوء تقديرهم للمصلحة الوطنية والمواطنية بتطبيق سيء لمبدإ "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، بما قاد إلى أفسد المفاسد: الفشل الذريع في الحكم وإهداء الشعبوية فرصة للانقلاب على الديمقراطية على طبق من ذهب، إلى جريمة عظمى تستحق سحب صفة المواطنة وحق المشاركة في الشأن الوطني من النهضة(موقف قيادة الاتحاد اليسارية المتطرفة من حوار وطني ممكن) وهو ما يجعل كل أعضائها وكل من يتهم بالموالاة لها محروما من حق المواطنة ومن كل الحقوق المستتبعة لها، فيستباح رزقه وعرضه ودمه وحريته وكرامته. وفي هذا الأمر بطبيعة الحال مبالغة سياسية كبيرة، بل جريمة حقيقية تتمثل في ضرب مبدإ المواطنة وفي تكريس العنصرية ونشر الكراهية والتحريض على العنف والجريمة.
ولذا، فإن سلاح الاتهام بالموالاة للنهضة سلاح ضعيف من ناحية البروباغندا المناهضة للإسلام السياسي في تونس لدى دول العالم الحر، وضعيف منطقيا وأخلاقيا وقانونيا، وفي الأخير غير فعال في الحرب النفسية ضد الديمقراطيين المستوعبين بالتأكيد لكل خلفياته والمتفطنيين لأسسه المتهاوية.