في محادثة "سرّية" لي مع أحد ألمع محللينا السياسيين من المثقفين العضويين حول سؤال ما العمل؟ كان جوابه على هذا السؤال بأن البداية تكون بكتابة "نصّنا" فلا مشروع كبير انطلق من دون نصّ مؤسّس. لم أعلق على جوابه في محادثتنا "السرية" ، ولكني سأعلّق عليه هنا علنيا، لأسباب من طبيعة بيداغوجية:
ليست النّصوص هي التي تنقصنا: فلقد كتب أبو يعرب المرزوقي ما يمكن أن يبلغ مجلّدا ضخما في الشأن العام. وكتب زهير إسماعيل تحليلات دقيقة ورشيقة غزيرة، وكذلك فعل محمد ضيف الله، مع ما نُشر في موقعي تدوينات والزراع من طرف عشرات الكتاب الثوريين، بما تنوء بحمله العصبة أولي القوة.
أما ما كتبه لامين البوعزيزي وشواه على سفافيده، فهو يطعم كل جائع ويكسو كل معتر. وساهمتُ بدوري بتحليلات متواترة مختصرة نسبيا وبنصوص تأليفية أكثر شمولا وتعميقا، مثل محاولتي الحديثة في رسم ملامح المشروع الوطني المفقود. والنصوص؛ التدوينات التي كتبتها جمعت جزءها الخاص بالثورة والانتقال الديمقراطي في كتاب نشرته سنة 2014 يقع في 360صفحة،
ولو جمعت ما كتبته في مرحلة البناء الديمقراطية لأدركه أو فاقه حجما، ودندن لنا الحبيب بوعجيلة بما لذّ وطاب من طقطوقاته، وكتب أحيانا بعض المطوّلات، ولم يبخل علينا نصر الدين بن حديد بشكشوكاته الحارة، وأمتعنا شهاب بوغدير بلواذع بلاغية بودليرية ضمّنها رسائل مضمونة الوصول لا تترك مجالا للنّكران والبهتان.
أما المرزوقي فلم يألُ جهدا في مراجعاته وتقييماته وتقديراته بقلمه الذهبي ومِشرطه الأَلْماسي...والمعذرة لمن لم أذكر أسماءهم، فكثير منهم كتب نصوصا لا تقل أهمية وقيمة عن نصوص كل من ذكرتهم (كيف لا أعترف بذلك مثلا لعبد الحق الزموري وعايدة بن كريم وعادل بن عبد الله وغيرهم) والمتأمّل في هذا الكنز الضخم من الفكر والتحليل يجد فيه بلا مشقة مشتركات عريضة واضحة.
غير أن نقطة ضعفها جميعا هي الإبهام في الإجابة على سؤال من أين نبدأ؟ لا في الإصلاح، فهذا الفاسد الوطني الماثل أمامنا لا أمل في إصلاحه لأنه قُدّ من نسيج أمعاء متعفنة عششت فيها ديدان الإفناء والفناء. بل في التّصحيح واستئناف الفعل الثوري الديمقراطي.
وما ينقصنا هو الالتقاء عمليا على مشتركاتنا التي هي حاجات وظيفية تاريخية للشعب والوطن. النص الغائب هو النص الذي نكتبه معا من أجل الفعل. الفعل الفوري، ولو تتطلب إنجازه سنوات. لدينا الآن الفهم والفكر. نحتاج فقط لأجرأة الفكر وتحويله إلى برنامج ثوري ديمقراطي، ونحتاج إلى قيادة. فلتكن قيادة جماعية من حكمائنا شيبا وشبابا. ولنسلّم مشعل القيادة الميدانية للشباب. فلا مشاريع كبيرة للأوطان والأمم إلا وأنجزت بذكاء الشباب وحماسهم وجرأتهم على التغيير.