صاحب الفيلم يقول إن هذا العالم موجود وصار لا بد من دخوله بكاميرا صلبة، ومواجهة حقيقتنا الـ'عارية' بجرأة وشج.
شاهدت فيلم “الزين الي فيك”، منذ أيام في سينما بلاهاي مخصصة لما يسمى بالأفلام البديلة، وهي واحدة من ضمن سلسلة دور سينما أوروبية موسعة، تعرض أفلاما غير تجارية وأفلاما من العالم الثالث، وأفلام هواة.
قبل ذلك تابعت الجدل الذي أثاره الفيلم المغربي ومنعه من العرض في كل الدول العربية تقريبا، بحجة خدش الحياء، وكما هو معروف فقد تعرض مخرجه نبيل عيوش، للتهديد ويقال أيضا إن بطلة الفيلم فرت إلى باريس هربا من تهديدات وصلتها.
لا أنكر أن الفيلم به مشاهد “صعبة” بالمعنى الأخلاقي لا الفني، تبرر منعه في دول إسلامية وعربية من بينها المغرب. في بعض أجزائه يكاد يصنف على أنه فيلم “بورنو”، وقد رأيت الحرج والتململ على وجوه حتى الأوروبيين من كبار السن الذين حضروا العرض.
غير أن أكثر ما لفت انتباهي، ليست الصور الإباحية ومشاهد الجنس الرخيصة المتكررة بعد كل 10 دقائق تقريبا، إنما اللغة المستعملة في الفيلم، وهي حسب رأيي، أكثر ما أثار حفيظة المراقبين والنقاد، والعنصر الأكثر جرأة على الإطلاق. فاللغة لأول مرة صريحة تماما وحقيقية لدرجة الصدمة، تسمي الأشياء بأسمائها المتداولة في الشارع، ولا تختلف في شيء عن اللغة المستعملة بين بائعات الهوى، وبائعي الهوى وأطفال الشوارع، لغة سفلية عارية.
وهكذا فإن السباب والشتائم والألفاظ النابية والإيحاءات الجنسية، والأعضاء الذكرية والأنثوية، والنكات الجنسية، تغطي معظم مشاهد الفيلم. بمعنى آخر، الفيلم يأخذك في جولة حقيقة، إلى عالم بائعات الهوى، دون رتوش أو تجميل أو رمزية فنية.
وفي اعتقادي اللغة في “الزين الي فيك” هي البطل الحقيقي في هذا الفيلم المثير للجدل. فلم يسبق أن نقل فيلم عربي هذه المصطلحات إلى عالم الفن، عكس الأدب الذي سبق السينما إليها بأشواط، ولعل المغربي محمد شكري، خير دليل.
صاحب الفيلم يقول إن هذا العالم موجود وصار لا بد من دخوله بكاميرا صلبة، ومواجهة حقيقتنا الـ”عارية” بجرأة وشجاعة، وحسب رأيه فإن كل ما فعله هو نقله إلى واقع موجود. أتفق معه على أننا نحتاج إلى جرعة كبيرة من الشجاعة لتعرية ظواهر وحقائق موجودة بيننا تنخر مجتمعاتنا ولا أحد يلتفت إلى عواقبها على أبنائنا ومستقبلهم. وأتفق أيضا في الجزئية الرئيسية الخاصة بحرية التعبير، غير أنني أتفهم موقف الدول التي رفضت عرضه، وأظن أن صاحبه كان يعرف مسبقا، أو يتكهن أن الفيلم لن يلقى حظه من العرض في دور السينما العربية.
حرية التعبير، التي يحاكم بسببها جيل كامل من الكتاب والمبدعين في بلدان كثيرة تفرض رقابتها على الإبداع والمبدعين، وتهمة خدش الحياء العام التي يحاكم بموجبها الآن الكاتب المصري أحمد ناجي، أدوات قمع وتكميم تمارسها الدولة القمعية ضد أي فكر مخالف.
غير أن ما هو موجود في “الزين الي فيك” يتعدى كونه حرية تعبير، إلى دعارة لفظية بالمعنى الكامل، ولو أن غرض صاحبه كسر تابوه الجنس لتوخّى لغة أكثر “رقيا” ولو بمعالجة فنية، لغرض الوصول إلى أكبر قدر ممكن من المشاهدين وإبلاغ رسالته، لكن على ما يبدو الفيلم موجه لذائقة معينة وأغراض تجارية لعل أهمها الحصول على جوائز دولية وهو ما تم له بالفعل في “كان” الفرنسية، كما أن الفرق بين كسر تابوه، والمتاجرة به، واضح.