حياة الأبناء المدهشة

Photo

إنها حياة مدهشة، ومعركة تشبه خلفية موسيقية يتخللها أحيانا، بعض النشاز، لكن على وقعها نمشي ونرقص، ونتقدم.

بينما أكتب أو أقرأ أو أنظف البيت أو أطبخ، تصلني نقاشات الطفلين الحادة، التي تنتهي، غالبا، إلى مشادات كلامية ومعارك واتهامات وصراخ. تعودت على ذلك حتى أصبحت هذه المعارك الصغيرة في جوهرها، المصحوبة بكثير من الصخب والهرج والحركة، في ظاهرها، تشبه الإيقاع الخلفي لكل حركة أقوم بها في البيت، أو الموسيقى الخلفية التي ترافقنا ونحن نقوم بأشغالنا وأعمالنا، فإذا صمتا أو توقفا بحثت عنهما، لأتأكد أن كل شيء على ما يرام.

عندما بلغ طفلي الصغير سن 8 سنوات، بدأ في فرض شخصيته ورأيه على أخيه الذي يكبره بـ3 سنوات، وهو ما فاجأ هذا الأخير، بعد أن كان تعود أن يكون وحده صاحب الرأي والقرار. لكن الأطفال يكبرون ويتغيرون، وعلاقتهم ببعضهم تمر بمراحل كثيرة، تبدو لنا نحن الآباء غير عادية، وهي في واقع الأمر عادية جدا، بل وضرورية لأجل أن تكتمل شخصياتهم.

مع تكرر هذه المعارك يوميا، واتخاذها شكلا جديا، يصل لحد البكاء، توقفت كثيرا أمام سؤال: كيف أتعامل معها؟ هل أتدخل طوال الوقت، أم أتركهما يحلان مشاكلهما بنفسيهما، وأكتفي بالمراقبة من بعيد؟

معظم هذه المعارك يدور حول ممارسات وسلوكيات يومية روتينية، مثل: من يحق له أن يغير قناة التلفزيون؟ من يمسك بجهاز التحكم؟ من يجلس أمام جهاز الكمبيوتر ولمدة كم؟ من يدخل الحمام أولا؟ من يغسل أسنانه قبل الأخر؟.. إلى غير ذلك من نقاط التماس والاحتكاك التي تحدث بين الأشقاء.

بعد تفكير في الأمر، قررت أن أضع قانونا واحدا وجوهريا خاصا بهذه المعارك، وهو منع العنف بأشكاله، الجسدية واللفظية، فيحق لهما العراك كما يشاءان، لكن من يبدأ بالعنف يعاقب، وتركت الباقي ليتصرفا فيه، يضعان قوانينه بنفسيهما ويسيرانه وفق قدرتهما على التفاوض والنقاش. أحيانا كانا ينجحان في تقسيم الأدوار بينهما بشكل يرضي كليهما، وأحيانا كثيرة، لا.

كنت أعرف أنهما لن يكونا قادرين على حل معاركهما بشكل نهائي، لكن تركت لهما فرصة المحاولة، غير أن المعارك استمرت، واستمرارها كان طبيعيا، وصحيا، فهناك شخصيتان تتكونان، وتتعاركان لأجل أن تقولا: أنا هنا، أنا موجود، أنا أفكر، أنا أكبر، أنا أقاوم.. وهكذا..

في بعض الأحيان، ورغم جهودي الجبارة في أن أحافظ على صبري ولامبالاتي أمام ما يحدث، والادعاء بأنني منشغلة عنهما بأموري الكثيرة، رغم هذه الجهود الجبارة، يحدث أن أفقد صبري فأتدخل بحسم، أو أعاقب كليهما بنزع المتنازع عليه، أو حرمانهما من الإنترنت أو التلفزيون، لبعض الوقت، وفي أحيان أخرى، أجد نفسي أردد بشكل آلي “لا تتعاركا رجاء، تكلما”. فيرد أحدهما “نحن لا نتعارك، هذه مرحلة نمر بها”، وهو رد أنتظره، وأسعد له كثيرا، فهما يعرفان أنهما يمران بمرحلة ضرورية من تكوينهما، ويعرفان أنها ليست سهلة بالنسبة للأبوين، ويرافقها الكثير من الصخب والضوضاء، والإرباك في البيت، لكنهما شيئا فشيئا يحولان معاركهما إلى نقاشات، وأحاديث موثقة بحجج ووجهة نظر.

أقول أحيانا بعجز واستسلام، وبنوع من المراوغة، إن أمهما شاعرة، تزعجها معركة بين حشرتين، فما بالك بمعركة بين ابنيها. تكون تلك آخر محاولاتي في ابتزاز عاطفتيهما، سرعان ما أتخلى عنها بعد أن ألحظ مدى تأثرهما مستدركة “وصحافية أيضا، تمرست على المعارك، وصور القتال”، لندخل بعدها في نقاش طويل عن الشعر والصحافة، وأيهما أفضل، وأحلامها، وماذا يريدان أن يصبحا عندما يكبران..

إنها حياة مدهشة، ومعركة تشبه خلفية موسيقية يتخللها أحيانا، بعض النشاز، لكن على وقعها نمشي ونرقص، ونتقدم..

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات