طلب مني التلفزيون الهولندي منذ أيام قليلة مراجعة مادة تلفزيونية استقصائية صورت في مناطق مختلفة من تونس في إطار جولة تصوير شملت دولا عربية عديدة بينها تونس ومصر والأردن وفلسطين والأمارات، وهي سلسلة حلقات سيبدأ التلفزيون الهولندي في بثها متسلسلة بداية من منتصف شهر نوفمبر القادم.
هدف هذه السلسلة الوثائقية التلفزيونية الهولندية هو التركيز على ظروف الشباب في المنطقة العربية، والتحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها المنطقة. ورغم أن التصوير تم في مدن كثيرة وتعرض لجوانب مختلفة من مظاهر الحياة في تونس، إلا أن الجانب الأكثر لفتا للانتباه هو علاقة التونسيين بالمرأة والصورة التي يحرصون على نقلها للخارج بثقة واستماتة كبيرتين.
في مجمل اللقاءات والأحاديث التي أجراها التلفزيون مع مثقفين وسياسيين وبرلمانيين وصناع قرار وشبان وشابات وسكان مدن وقرى، وأثرياء وفقراء، ورغم التناقضات والتجاذبات والانشقاق الذي بدا أن المجتمع التونسي يعاني منه أكثر من أي وقت مضى، جاءت علاقة التونسيين بالمرأة علاقة لا تقبل الاختلاف، فالجميع يتفق على أن مكسب تونس هو المرأة، وأنها وحدها من يحدد مستقبل هذا البلد.
في أحد اللقاءات تحدث مقدم البرنامج الهولندي مع مثقفين من مدينة سوسة الساحلية يملكان مقهى علمانيا، هو الأول من نوعه في تونس على حد قولهما، زينت جدرانه بصور العشرات من النساء من مختلف الأعمار والأطياف، وعندما سأل الصحافي الهولندي الرجلين عن سبب وجود هذه الصور على الجدران قالا إنهما يفخران بالمرأة التونسية وإنجازاتها خلال وبعد الثورة، لأنها “أنقذت تونس من الخطر الذي وقعت فيه باقي دول المنطقة العربية”، وعندما سألهما الصحافي ما الذي يجعلهما واثقين من أن تونس لن تسير على خطى تركيا، قالا “المرأة التونسية لن تسمح بذلك”، وأضافا “مستقبل تونس في يد المرأة وستحافظ عليه”.
حدث الأمر نفسه في مناسبات عديدة، وكُررت عبارة المرأة التونسية مفخرة ومكسب لهذا الوطن على مسامع مقدم البرنامج الهولندي في أكثر من مناسبة وسياق إلى درجة أثارت دهشته، ورغم تنقلات فريق البرنامج بين المدن التونسية من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب حتى الحدود الجزائرية، والتفاوت العجيب الذي لاحظه في كل مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن صورة المرأة، في المدينة أو الريف، المثقفة أو الأمية، الفلاحة التي تعمل في الحقول أو الموظفة والسياسية التي تحدث معها في تونس، كانت على الدوام الأبرز من بين الصور والأكثر ثباتا من بين كل الفوارق والاختلافات.
“إنه لأمر غريب” يقول مقدم البرنامج، فمن أين للمرأة التونسية بهذا القدر من التحكم والحضور وصنع القرار؟ لتأتيه الإجابة على لسان شابة صغيرة قائلة “هذه بلاد النساء”. ومن شاب تونسي آخر قائلا على لسان الشاعر التونسي المرحوم الصغير أولاد أحمد “نساء بلادي نساء ونصف”، وهي المقولة الشعبية القديمة التي نجح الشاعر أولاد أحمد في تحويلها إلى بيت شعري شهير.
شخصيا، خرجت من ساعات التصوير التي امتدت على مدى سبعة أيام كاملة، بخلاصة واحدة: التونسيون يختلفون في كل شيء إلا في تعظيم وتقدير المرأة، التي تحولت لديهم إلى رمز وإنجاز لا يرغبون في التفريط فيه، وهو بالنسبة إلى أغلبهم لا يقل قيمة عن إنجاز إخراج المستعمر أو علمنة الدولة. المرأة في تونس هي الورقة الرابحة دوما، التي تغطي على كل الخسارات.