بررت ليبيا القرار الأخير الصادر عن الحاكم العسكري لمنطقة شرق ليبيا التابع لمجلس النواب اللواء عبدالرزاق الناظوري بمنع سفر الليبيات دون سن الستين إلى الخارج دون محرم، والذي بدأت بعض المناطق تنفيذه بالفعل منذ بضعة أيام، بأنه قرار أمني جاء لـ”دواعي المصلحة العامة والحد من السلبيات التي تصاحب سفر الليبيات في الخارج”، حسب ما ورد في نص القرار.
لم يشر القرار إلى نوعية هذه السلبيات وهل تختلف عن باقي السلبيات التي تتعرض لها أي امرأة تسافر خارج وطنها أم لا؟ وهل هي نفس السلبيات التي يواجهها الرجل الليبي أثناء سفره أم أنها من نوع خاص؟ ولم يخبرنا القرار أيضا عما قصده بـ”المصلحة العامة” وكيف يكون من المصلحة “العامة” منع المرأة من التحرك والتنقل اللذين يكفلهما لها الدستور الليبي بحسب تصريحات لحقوقيات ليبيات؟ وإذا كانت “المصلحة العامة” تشمل المرأة والرجل على حد سواء فكيف من مصلحة المرأة أن تواجه حظرا مفروضا عليها من قبل شريكها في هذه المصلحة؟
النقطة الأغرب في هذا القرار هو اقتصاره على النساء دون سن الستين، وهي ثغرة أدبية وقانونية واضحة وقع فيها القائمون على هذا القرار، فاقتصاره على من هن دون سن الستين ينفي عنه الدوافع الأمنية بالضرورة، لأن أكثر النساء عرضة لاستهدافات أمنية بسبب أنشتطهن ومناصبهن ومراكزهن التي يتبوأنها هن فئة ما فوق الستين، كما أن الأمن الذي يتحقق بإقصاء فئة دون أخرى، وبتمييز عنصري مبني على تفاوت جندري أو عمري معين لا يمكن بأي حال أن يسمى أمنا قوميا ومصلحة عامة، لأن المصلحة العامة تمس كل أبناء الوطن ولا تتحقق بإقصاء وتهميش وإخضاع طرف دون آخر.
مفهوم الأمن الذي يقدمه لنا هذا القرار، كما يبدو من صيغته الإقصائية، هو الأمن الجنسي أو “الشرجي”. فالنساء فوق الستين، لا يشكلن هدفا جنسيا ولا خطرا “جنسيا” على مصلحة ليبيا، أو هذا ما يفترضه القرار على الأقل. أما من هن تحت الستين فمعرضات لخروقات وتجاوزات وسلوكيات “جنسية” تسيء لسمعة ليبيا و“أمنها القومي”.
القرار ذو طابع ديني، وإن حاولت الجهات التي أصدرته أن تمنحه طابعا مدنيا، ورغم أنني لا أحب الخوض في المبررات الدينية لحكم “المحرم” الذي اختلف عليه الأئمة وهناك من اعتبره غير صحيح، مثل الإمام الشافعي، فضلا عن أنه يخص سفر المرأة إلى الحج ولا يعمم إلى باقي تنقلاتها، إلا أنني مضطرة إلى أن أقول إنه كان الأجدر بهذا القرار أن يتحلى ببعض الشجاعة ويمنح نفسه صفة القرار الديني بدل محاولة التخفي تحت غطاء المدنية.
تداعيات هذا القرار على المرأة الليبية، والعربية عموما خطيرة، إذا لم تعدل السلطات الليبية عنه، وأولها أنه يأتي ليمنع شقا كاملا من المجتمع من ممارسة أعماله وأنشطته المدنية والاجتماعية والاقتصادية أو الالتحاق بالجامعات الدولية، بعد أن كان قطع شوطا في هذا المجال. كما أنه يلوح بإمكانية ظهور قوانين أخرى مشابهة أو أخطر منه في المستقبل القريب تتعلق بالحريات العامة وحقوق المرأة.
الأمن الذي يتحقق بقوانين هدفها فرض حظر ومراقبة لصيقة على فروج النساء أمن مريض وذهاني، ويشبه ذلك العامل أو الموظف الذي يترك عمله ومشاغله ليراقب زوجته طوال النهار. الأجدر بليبيا والقائمين على أمنها أن يبدؤوا بتوفير السلم والأمن الغذائي والصحي والتعليمي لدولة تعرج، بدل البدء من فروج النساء.
كما أن هذا القرار مطالب بالدرجة الأولى بتوضيح الأسباب أو السلبيات التي تحدث عنها وكانت دافعا لاستصداره، وفق ما جاء في صيغته، وبتقديم تبريرات لتعميمه بعض الحالات المنفردة والمتفرقة واتخاذها ذريعة لاستصدار قرار يعرقل حركة كل النساء الليبيات.