الصدفة وحدها قادتني لاقتناء مجلة عربية شهيرة، فبحكم إقامتي في المهجر لم يتسن لي متابعة المجلات والإصدارات العربية إلا عبر مواقعها على الإنترنت. اقتنيت المجلة في أحد المطارات العربية على أمل أن استمتع بمحتواها على متن الرحلة التي ستقلني إلى أمستردام ومدتها 3 ساعات تقريبا، وهو ما حدث بالفعل، إلى أن وصلت إلى صفحة تفسير الأحلام، التي حملت لي مفاجأة لم أكن أتوقعها، وصدمة حقيقية لا تخطر على بال.
تسأل قارئة مفسرة الأحلام عن حلم رأت فيه أن الرجل الذي تقدم لخطبتها، يقود سيارة تقلها هي وأمها، وكانت سياقته سيئة للغاية ويتطوّح يمينا ويسارا حتى كادت السيارة تنقلب (إلى آخر الحلم..).
هل تعرفون ماذا كانت إجابة المفسرة؟ قالت لها تخلي فورا عن هذا الرجل واطرديه من حياتك للأبد فهو على ما يبدو لن يجلب لك ولعائلتك إلا المشاكل!
ذهلت أمام هذه الإجابة ووقفت لا أدري هل ما أراه حقيقة أم خيالا! فهذه المفسرة تجرأت على الحكم على رجل وتحطيم مستقبله وخططه وحياته، وربما قلبه أيضا، لمجرد حلم! لم أتخيل حقيقة أن هناك من لا يزال يتعامل مع الأحلام على هذا النحو، ولم أكن أتوقع أن تحتوي مجلة، تحتكم ولو إلى القليل من المهنية على هذه التفسيرات الخطرة، وهي خطرة بالمعنى التام للكلمة لما قد تتضمنه من إيذاء وتدخل سافر في حياة البشر وقراراتهم ومصائرهم. أعرف بالتأكيد أن هناك الكثير من الفيديوهات ومواقع تفسير الأحلام وأعرف حجم المغالطات والتمويهات التي يطلقها شيوخ تفسير الأحلام وراعو مناماتنا لكن ما أوردته هذه المجلة، وهي قبل كل شيء ثقافية منوعة، كان صادما حقا.
إذا كان البشر في منطقة ما من العالم لا يزالون يجهلون أسباب ودوافع الأحلام التي تراودهم في الليل، فهذه طامة كبرى. باختصار نحن نحلم لننفّس عن شعور ما نكبته بداخلنا، مشاعر خوف أو قلق أو ترقب أو يأس أو أي مشاعر أخرى.
نحن نحلم، لأننا لا نجرؤ على قول ما نفكر فيه مثلا، أو لا نقوى على مصارحة أنفسنا ببعض المخاوف، أو لا نريد أن نقع في فخ، أو نقلق لأمر المستقبل، أي أن أحلامنا هي انعكاس لما يدور بداخلنا، وليست لها علاقة بأي رؤى أو تكهنات في المستقبل.
أرى كل ليلة كمية من الأحلام لا حصر لها، وأكثرها تكرارا هو ذاك الذي يتوه فيه مني أحد الطفلين في سوق أو مبنى مكتظ أو شارع مزدحم، وتفسيري لهذا الحلم هو إحساسي بثقل المسؤولية وخوفي من أن أقصر تجاه أولادي بسبب انشغالاتي الكثيرة ومسؤولياتي. تخيلوا لو أنني سألت هذه السيدة أن تفسر لي هذا الحلم؟ وأنني صدقتها مثلا في أن مكروها يترصدني أو يترصد أحد أبنائي، تخيلوا حجم القلق والمخاوف التي ستنتابني ساعتها وانعكاساتها علي وعلى من حولي!
باختصار، تفسير الأحلام على هذا النحو خطر، وهذه السيدة الجاهلة وغيرها ممن يدعون المعرفة والحكمة خطرون على حياتنا، ويجب أن ينبذوا بلا رجعة، وتنبذ معهم الصحافة والمواقع التي تروج لهم ولجهلهم.