حلّ مشكل المرأة اليوم، جزء لا يتجزأ من حل مشكل الإنسان العربي ككل، لن تتحرر المرأة ولن تحصل على حقوقها ما لم يتحرر العقل العربي من فكرة الهيمنة والسيطرة ونظرية المؤامرة الكونية التي تحاك ضده.
لم تعد قضية امرأة، لقد أصبحت قضية إنسان. في ظل ما وصلت إليه المنطقة العربية من تردّ في الحقوق والحريات، ومن غوغاء ومغالاة وتطرف، وفي ظل الانشقاق والخلاف والطائفية التي تعصف بأبناء البلد الواحد، أجد نفسي في يوم المرأة العالمي أتساءل عن مصير الإنسان العربي ككل، وليس المرأة وحدها.
مع ذلك، هل يجب أن نيأس؟
الإجابة قطعا: لا.
منذ فترة أجريت حوارا مع مستشرق هولندي، يدعى يان ياب دو روتر، وهو أستاذ جامعي بجامعة تولبرغ الهولندية، عن موقفه ممّا يجري في المنطقة العربية. أخبرني أنه لم يعد يجرأ على زيارة مصر، بعد ما حدث مع الإيطالي جوليو روجيني، وبسبب التضييق على حرية الرأي والتعبير، وتكميم الأفواه في أغلب الدول العربية، رغم أن شقّا من بحوثه يستوجب زيارة المنطقة باستمرار. في سياق حديثه قال دو روتر “إن الوضع في المنطقة اليوم سيء جدا، أسوأ حتى مما كان عليه، لكن الأمل في تحسنه يظل قائما”، واستشهد بالثورة الفرنسية التي استمرت 70 عاما حتى تنجح. فهناك أمل اذن، وإن تأخر.
في ظل هذا التردي الشامل على جميع المستويات يجب أن نقلق على وضع المرأة تحديدا لأنه أكثر هشاشة، وتأثّرا بمجريات الأحداث، وأقل استعدادا لتحمل تبعات انهيار المنظومة الأخلاقية العالمية. نرى اليوم ما يحدث للمرأة السورية التي هجّرت من منزلها وشرّدت، أمام مرأى ومسمع من العالم، ونرى ما يحدث للأقليات الإثنية في العراق من بيع وشراء في سوق النخاسين على أيدي التنظيمات الإرهابية، ونرى ما تتعرض له المرأة المصرية من تحرّش على يد السلطة العسكرية، وقد قرأت منذ يومين تعليقا للكاتبة المصرية وسيمة الخطيب على فيسبوك، تقول فيه أنها على وشك أن تحمل مطواة أو سكينة للدفاع عن نفسها ضد دولة البوليس متى استوجب الأمر. في تونس أيضا، البلد الذي كان سباقا في تحسين وضع المرأة وضمان حقوقها، فاجأنا منذ فترة تقرير لمنظمة العفو الدولية بأرقام صادمة عن العنف الأسري ضد النساء.
تشير الحقائق اليوم إلى أن 66 بالمئة من مجمل الأعمال تقوم بها النساء، مقابل 44 بالمئة للرجال، مع ذلك فإنهن يجنين 10 بالمئة فقط ممّا يجنيه الرجال، ويملكن 1 بالمئة ممّا يملكه الرجال. كما أن 75 بالمئة من الفقراء في العالم هم من النساء. هذه بعض الحقائق المتعلقة بوضع المرأة عموما، ينضاف إليها، بالنسبة إلى المرأة العربية، كل ما جلبته اللحظة الراهنة من مصاعب وعراقيل وترديات، أي أنها تواجه تحديات عالمية مصيرية مشتركة، مع بنات جنسها، وتحديات جغرافية وثقافية وتاريخية، وموروث كامل من التركيع والتهميش، في المنطقة العربية.
حلّ مشكل المرأة اليوم، جزء لا يتجزأ من حل مشكل الإنسان العربي ككل، لن تتحرر المرأة ولن تحصل على حقوقها ما لم يتحرر العقل العربي من فكرة الهيمنة والسيطرة ونظرية المؤامرة الكونية التي تحاك ضده، وهاجس “خير أمّة” الذي جعله يدخل في صراع مع باقي الأمم على مدى التاريخ. أحترم جهود المؤسسات والجمعيات النسوية والتاريخ النضالي الطويل لنساء رائدات دافعن باستماتة عن حقوق المرأة، لكن تظل هذه المجهودات مكبلة وقاصرة، في ظل هيمنة الفكر الرجعي الذي يقف عائقا أمام أيّ رغبة في التحرر. حرروا العقول لتتحرر المرأة.