تصريح أردوغان – ما قل ودل في مسألة خاشقجي –

Photo

كل من كان ينتظر من أردوغان كشف الأوراق يجهل استراتيجية الرجل ولا يعلم أن القضية ما تزال في بدايتها. فهو أشار إلى ما يفيد أن ما أخفاه لا يجهله وذلك من شروط الردع في المعركة التي يعلم أنها ستطول وأن الربح فيها مشروط بالمطاولة والنفس المديد.

وقد وضع كلامه في المسألة بين مسألتين تابعتين للسياسة الداخلية التي تحدد منزلة الاستئناف التاريخي للدولة التركية التي ما كانت لتكون قبلة في الحدث لولاهما :


• المسألة التي تتعلق بالتنمية بالشروط الحديثة وانخراط الشعب التركي فيها بروح أمة تسترد مجدها.


• المسألة التي تتعلق بآثار الانقلاب الذي أفشله الشعب التركي بفضل هذه الروح الاستئنافية.

لكن الكثير ممن لا يقرأون خطاب الرجل بالنفاذ إلى مضمونه العميق يتصورون أنه تجنب الكلام في ما كانوا ينتظرونه منه متوهمين أنه لن يميز بين السياسي والقانوني الجنائي فيتحول إلى قاضي تحقيق في الجنائيات. فتوهموا أنه لم يضف شيئا إلى ما تم تسريبه خلال المدة التي انقضت بين يوم الجريمة ويوم التصريح.

لكن الخطاب كان فعلا واضحا ومفصلا وحاسما عندما نتجاوز سطح الكلام إلى أعماقه وذلك في المستويات الخمسة التالية:

1-حدد طبيعة الحدث فبين أن التخطيط سابق عليه ولم يكن حدثا وليد الصدفة.

2-بين أن الأمر يتجاوز الـ18 الذين يراد تحميلهم المسؤولية لأن هؤلاء أدوات تنفيذ وليسوا هم أصحاب القرار.

3-أستثنى من خطابه المتهم السعودي وغير السعودي مع الإشارة إليهما ولم يتوجه إلا إلى الملك : والمتهم السعودي هو ولي العهد وغير السعودي موجود في البلدين اللذين عادت إليهما طائرتا المنفذين.

4-طلب مؤقتا أن تكون المحاكمة في استنبول ولم يستعمل ما سيعتمد عليه لفرض ذلك إذا لم يحصل بالتي هي أحسن.

5-وأخيرا فهو قد أكد على أن المسألة لا تقبل الحلول الوسطى لأنها تجاوزت العلاقة السياسية سواء كانت ثنائية أو دولية واعتبرها صارت مسألة ضمير عالمية فضلا عن كونها تمس ممن عادة يمثلون الضمير العالمي أعني الصحافة.

كل من لم يفهم هذه الإشارات وطابعها الفاصل العيب فيه وليس في خطاب الرجل. ومن كان ممن يتصورون أن المتهمين قد ينجون لأن الرجل لا يتوفر على أدلة وإلا لأدلى بها لا يمكن أن يكون ذكاؤه إلا من جنس المتهمين والمنفذين لهذه الفضيحة التي لم تعرف البشرية أكثرها دلالة على أن أصحابها دون الحمير فهما وذكاء.

أما من يشككون في النوايا فيتصورون أن اردوغان يريد توظيف الأمر سياسيا على حساب القيم فهم من بني إما وإما. لكن السياسة لا تتنافى مع الأخلاق بل هي تكون في أتم مستوياتها عندما تجمع بينهما :

فيمكن أن يحافظ على القيم الخلقية وألا يجعل ذلك منافيا لتحقيق الفوائد السياسية. من يرى غير ذلك يتصور السياسة ماكيافيلية بالجوهر والأخلاق متنافية مع تحقيق المصالح. لكن السياسة تكون ماكيافيلية إذا اقتصرت على المصالح والأخلاق تكون أضغاث أحلام إذا اقتصرت على العجز والتحرر من الفاعلية السياسية. وفي هذا الجمع بينهما تكمن حقيقة رجالات التاريخ وعظماؤه.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات