شهدت مجلس نواب الشعب في الثلاثين من جوان حدثا صفع النائب صحبي صمارة للنائبة عبير موسي وهو حدث أثار جدلا بين رافض ومرحب نحاول بعيدا عن لحظة الانفعال النفسي الأولي للمتابع من "الصافع " و"المصفوع " أن نقرأ الحدث قراءة هادئة لاستخلاص ما يمكن البناء عليه لإنجاح التجربة الديمقراطية وتشخيص عيوبها .
ونحن ننطلق في هذه القراءة من احتملات نجملها كما يلي :
• احتمال أول : النائب صحبي صمارة يشارك في مسرحية .
• التعليق : لا استبعد ذلك بحكم تاريخ الرجل .
• احتمال ثاني : الصحبي صمارة يوظف ممكنات اتصالية بطرق غريبة للظهور وضمان البقاء في الانتخابات القادمة .
• التعليق : وهذا أيضا وارد جدا وهي نقطة قوة في النائب بصرف النظر عن موقفنا من طريقته
• الاحتمال الثالث : النائب الصحبي صمارة مارس ما مارسه حنقا من تكرر ممارسات الفاشية وتعطيلها لأشغال المجلس .
• وهذا أيضا وارد ولا يوجد مبرر لنفيه.
لا توجد معطيات موثوقة لترجيح احتمال على آخر فكل الترجيحات تأويلات والتأويل قراءة تقرب أو تبعد بحسب مستندات القراءة المقدمة .
لكني أعتقد أن الموضوع ليس موضوع ترجيح احد هذه الوجوه أو اعتمادها لتحديد موقف من الحدث فهذا يسمى تحايلا وهروبا من موقف شجاع سواء برفض ما أتاه النائب او قبوله فبعض الذين يخفون جبنهم من موقف صريح وواضح يمكن أن ندهم يتعللون بان العملية مسرحية للفت الانظار واكساب عبير مزيدا من الانصار بحكم أن الصافع والمصفوع من معين واحد وانه بناء عليه لا يجب أن نقبل هذه الممارسة .
في اعتقادي هذا الموقف وغيره مما يشبهه برغم اختلاف السند لم يجب عن السؤال البسيط والمحدد هل أنت مع هذا الذي مورس على عبير أم ضده .
أقول ان هذا الهروب من الاجابة مرده إلى غياب موقف واضح من العنف من حيث المبدأ فكثيرون ممن يدينون فعل الصحبي يتبنون العنف صراحة في مواقفهم الفكرية واليسار إلى حد الساعة لم يتخل عن مقولة العنف الثوري من أدبياته وعمليا هم لم ينددوا بعنف عبير الذي مارسته منذ دخولها البرلمان من رفض قبيح للثورة ولأداء القسم وتطاول على مؤسسة البرلمان واحتلال منصة الرئاسة ومنع زملائها من الكلام وهو صمت نعتبره أقبح شئ في الموضوع لأنه مبني على نكاية في خصم سياسي تستهدفه عبير بما يجعله صمتا غير أخلاقي .
أما الآخرون فبعضهم موقفهم متخلف حين يبرر رفضه للعنف بأنه يرفض العنف ضد النساء وهذا تمييز متخلف بلا معنى فيه احتقار للمرأة قبل الدفاع عنها وفيه جبن عن الإصداع بالموقف الصحيح يعني هل يمكن لصاحب هذا الموقف أن يقبل بالعنف لو كان المستهدف رجلا .
أما البعض الآخر فيرفض العنف بتعلة سياسية واهية لا تعطوا ذريعة لعبير حتى ترتقي إلى دور الضحية ، وهو موقف لا يفقه في السياسة شيئا أولا لأن السياسة التي تمارس على مبدأ المظلومية نتيجتها إلى زوال ولنا في تجربة النهضة خير مثال ،ثانيا لأن هذه الرؤية تقصر في قراءة السياق والفاعل / الضحية فهو فاعل منتدب أصلا للقيام بدور الضحية أو الايهام بذلك من أجل ترذيل المؤسسة والتجربة ولا يزيد في نسبته للضحايا شيئا كثيرا طالما أن الواقفين خلفه ومحركيه هم هم يؤدون الدور نفسه بمؤسسات تصنع الرأي العام ولا تستطلعه وأموال فاسدة يسكت عنها أصحاب هذا الرأي اما لتورطهم ضمنها بشكل أو آخر أو لعجزهم عن ايجاد حماية قانونية تمنع هذا الاختراق الذي لن تزيده الصفعة صعودا في بورصة الموقف الانتخابي المتحكم به من خارج القانون .
هناك فئة أخرى تزعم أنها "مسيحية متسامحة " وقد تكون صادقة النية لكن النية الحسنة لا تبرر الحرام كما يقول الأصوليون لأن هذا التسامح أعجز أصحابه عن تقديم بديل جاد لوضع حد للعنف الممارس من عبير وامثالها من الجلادين القدامى والمجرمين في حق الشعب وهؤلاء أي "المسيحيون الجدد " ينطبق عليهم القول الحكيم " كم العصمة الأ يجد ".
هل نبرر للعنف لأن الضحية مجرم ؟
بلا شك هذا سؤال مغالط يقصد منه تحريف الكلم عن مواضعه وتجاوز سياق الحدث المؤطر له وهو حق أريد به باطلا فنحن متفقون أن للمجرم حق المحاكمة العادلة والاقامة الانسانية في السجن إن ادين وما فوق ذلك فلننظر في الفعل عن أي فاعل صدر وضمن أي سياق .
والفعل الحالي لم يصدر من الدولة وهذا مهم جدا فدولة الثورة ترفض ان تستعمل "القوة " في حل خلافاتها مع المواطنين برغم أن قوانينها متخلفة عن فرض الانضباط لنواميس الدولة وتساوي المواطنين أمامها وهو أيضا ليس فعلا أصليا بل هو رد فعل نشأ عن فاعل غير الدولة إزاء فاعل يساويه في الحقوق والواجبات ضمن سياق مكاني مخصوص هو البرلمان وهو سياق فارق في النظر إلى الفعل فنحن لسنا ازاء مواطنين جاوز أحدهما قانون الاجتماع المدني تجاه شريكه في الاجتماع بما يوجب تنفيذ القانون عليه بل نحن ازاء فاعلين داخل مؤسسة لها نظامها الخاص ونواميسها التي لا تخضع لقانون البلد برغم أن قانونها الخاص هو من قوانين البلد فهؤلاء حتى على فرض ادانتهم تتطلب محاكمتهم اجراءات خاصة ولعل عجز البرلمان عن ايقاف عربدة عبير موسى منذ البداية دليل على هذه الخصوصية في السياق التي وجب مراعاتها ونحن نقرأ الحدث .
وقراءتنا للحدث تقول إنه واقع الديمقراطيات الحديثة بلا استثناء وربما هو أقلهم حدة إذا ما قارناه بما شهدته برلمانات عالمية أخرى ولا يمكن الاكتفاء في تقييمنا لهذا الحدث بالموقف العاطفي لعامة الناس لأنه مزاجي متقلب فقد عبر الناس عن كرههم للبرلمان بسبب العنف الذي تمارسه عبير على النواب والمؤسسة برغم أن هذا " الكره" غير مبرر وكان يفترض أن يوجه ضد المتسبب في بلبلة عمل المؤسسة لا المؤسسة نفسها لكن للجماهير سيكولوجيتها الخاصة .
إذن نحن إزاء حالة " متفهمة " بالنظر لسياقها الزماني والمكاني والظروف الموضوعية الحافة بها وهي مبررة أيضا بنفس هذه التعلات فمن الطبيعي أن لا يستمر العنف الأصلي الصادر عن عبير موسي وكتلتها دون رد فعل فذلك مخالف لطبيعة الأشياء.
لكن هل رفض ردة الفعل هذه والتنديد بها باعتبارها " عنفا " ينهي الجدل والمشكل ؟
الجواب عندنا بالنفي قطعا لأن هذا التنديد ممارسة سطحية تصدر عن انفعالات عاطفية ومواقف سياسية متعجلة تبغي كسب نقاط لا أكثر ودليلنا في ذلك موقف المنددين بالعنف من حيث المبدأ كما فصلنا آنفا وما نحتاجه الآن هو أولا الوضوح في الضبط القيمي للفضاء العام بما يعنيه ذلك من تمايز عن كل من لا يؤمن بالثورة والديمقراطية ويتخندق ضمن اجندات أجنبية تستهدف التجربة ولا يستنكف عن التصريح بذلك وهذا التمايز يتتبع خطوات إجرائية تؤدي في النهاية إلى اخراج هذا " الشاذ" عن السياق من دائرة المشترك لا رغبة في الاقصاء بل ضبطا للمشترك المواطني .
ثانيا : نحتاج أيضا إلى تطهير الخطاب السياسي والممارسة من العنف اللفظي والمادي المهيمن على كل الفاعلين فخطابنا بدءا من مؤسسة الرسالة ووصولا إلى أبسط فاعل في الاجتماع السياسي مرورا بالإعلام والثقافة مؤسس على العنف، بل يقطر عنفا وهذا لا يساعد في عملية التمايز الأولى التي أشرنا إليها لأنه يترك الجميع في حالة توتر خاضعين للحظة الانفلات غير المحددة زمنا وغير المحسوبة عواقب .
محمل القول عندنا أن الحدث نتوء عابر في مشهد يحتاج إصلاحا حقيقيا ليس من جدول أعماله التنديد بهذا التفصيل، بل البحث عن محصنات تحول دون أن يكون النتوء المرضي ظاهرة يتوقف عندها عقل الثورة / الدولة ،فلو استقبلنا من أمر الثورة ما استدبرنا ما كان يوجد في المشهد لا "الصافع" ولا "المصفوع " لكنها المقادير أحيانا تصير العي خطيبا والطبيعة تأبى الفراغ.