من أواخر تصريحات قيس سعيد حول القضاء قوله عند استقباله لرئيسة الحكومة يوم 10جانفي الجاري « يجب ان نوفر كل العناصر التي تمكن القضاة من القيام بمهامهم السامية في ظروف تحفظ لهم استقلاليتهم… نحن لا نستهدفهم، بل نطلب منهم…!»
ولا شك ان كثيرا من المتابعين قد استغرب صدور مثل هذه التصريحات عن قيس سعيد خصوصا في سياق حملة ضد القضاء- ممثلا في اشخاصه ومؤسساته- على امتداد الاشهر السابقة، كان الرئيس بنفسه من ابرز المحرضين عليها والمساهمين فيها من ذلك التعرض لبعض القضاة وتهديدهم والهجوم المتواتر على الهيئات القضائية فضلا عن التعليق على القضايا الجارية و انتقاد الاحكام الصادرة والتلويح بتطهير القضاء وكشف الملفات الشخصية والتشكيك في اعتبار القضاء من ضمن سلطات الدولة وارباك المجلس الاعلى للقضاء وهرسلة اعضائه واتهامهم بالتحيز والتحزب واستغلال النفوذ وتكليف وزيرة العدل باعداد مشروع بقصد تنقيح القانون الاساسي للمجلس خارج اطار الاحكام الدستورية وبمقتضى مرسوم رئاسي… الخ.
ومن الثابت ان تلك المواقف الموجهة ضد المؤسسة القضائية تحت عنوان اصلاح القضاء وتطهيره قد شجعت جهات متعددة، إعلامية و سياسية، واطرافا غير معروفة تدعي ارتباطها ببرنامج رئيس الجمهورية على المساس بأعراض عدد من القضاة وتلطيخ سمعتهم والدعوة الى حل المجلس الاعلى للقضاء والاستعداء ضد اعضائه وترويج تصورات حول تركيبته الجديدة والحديث عن قوائم إسمية لعدد من القضاة تعدها رئاسة الجمهورية بقصد إعفائهم ومحاسبتهم…
ولذلك فان حديث قيس سعيد عن المهام السامية للقضاة وحفظ استقلالهم ونفي كل استهداف لهم من شانه أن يوقع السامعين في حيرة شديدة بين مواقف معلنة وتوجهات مكشوفة يتم تأكيدها في كل مرة وبين التفصي الآن من استهداف القضاة (ومن ورائهم القضاء. ) !
فكيف لوكان يستهدفهم حقا، ماذا كان سيفعل! قد لا يخفى على أحد (وهذا ما أكده المجلس الاعلى للقضاء في بلاغه الأخير) أن تلك المواقف المعادية للقضاء وما ترتب عنها من حملات ضد القضاة ومختلف المحاكم والدعوات الرامية الى حل المجلس الأعلى للقضاء تمثل سلسلة من الضغوطات غير المشروعة التي تهدد وجود السلطة القضائية وتزعزع بناءها والثقة العامة فيها.
وربما لا يدرك « النافخون في النار »مبلغ التأثيرات غير المحسوبة لتلك الضغوطات على حقوق الناس وحرياتهم، إضافة إلى الأضرار الفادحة التي تطال سمعة القضاء التونسي وصورته في الداخل والخارج.! فهل يمكن أن يضمر قيس سعيد للسلطة القضائية (بمؤسساتها وقضاتها) ما آلت اليه السلطة التشريعية(بصلاحياتها ونوابها) وأن ترفع الحماية الدستورية عن القضاة وأن يحقق رئيس الجمهورية -فوق ما له من سلطات- تصوره لقضاء ينبثق عن إرادته ويغدو مجرد وظيفة من وظائف الدولة.!؟