ربما لن يعثر احد في خطاب واحد على كم المغالطات التي أوردها قيس سعيد عند لقائه برئيسة الحكومة ووزيرة العدل يوم الأحد 6 مارس 2022 للنظر كما اعلن عنه « في الترشحات إلى المجلس الأعلى المؤقت للقضاء… من المتقاعدين الذين لا يمارسون وظيفة أو مهمة أخرى».
ومن الواضح ان التوسل بمقدمة ابن خلدون وبميزان العدالة وبالحديث المعاد عن المساواة امام القانون وتجاوزات العشرية الفارطة وقضاة البحيري والتستر عن الجرائم…الخ لم يعد يجدي ولا يغطي على واقع حقيقي سيؤدي (ان لم يكن قد ادى!) الى غياب كل سلطة عن القضاء وتقويض كامل للمبادئ والهياكل و المقومات التي تضمن اقامة العدل وعلوية الدستور، وسيادة القانون ،وحماية الحقوق ،والحريات.
وبقطع النظر عن فداحة اللقاء في حد ذاته، الذي جمع الرئيس ببعض حكومته لاختيار قضاتهم، فان جملة من المغالطات الكبرى (لبداهتها) تصدم عقولنا:
1-ان التأكيد دوما على « ان السلطة هي للشعب والسيادة للشعب، اما نحن فنقوم بوظائفنا في اطار سيادة الشعب » هو الذي سمح لرئيس الجمهورية خارج اية مشروعية دستورية وقانونية الى ضم جميع السلطات دون استثناء والغاء المبدأ الاساسي لكل نظام ديمقراطي وهو مبدأ الفصل بين السلطات وتبعا لذلك الغاء وجود السلطة القضائية التي اصبحت على لسان قيس سعيد مجرد سلك او وظيفة او مهنة نبيلة.!
2-كما ندهش من شدة التأكيد على ان حل المجلس الاعلى للقضاء هو « الهدف الذي يسعى اليه كل مواطن » وان تنصيب المجلس المؤقت (على انقاض مجلس دائم ومنتخب) كان بهدف الى« وضع حد للأوضاع التي تعيشها تونس منذ عقود ».
فهل يمكن ان نصدق – في خضم المشاكل التي تعج بها البلاد – ان يكون من طموحات المواطن الانتقاص من موقع القضاء وضماناته ورفع الحماية عن القضاة وتهديد استقلالهم ليمكن لذلك المواطن في مفارقة غريبة تحقيق العدل ومقاومة الظلم المؤذن بالخراب.!؟
3-وفضلا عن ذلك فان القول بان « اغلبية القضاة شاعرون بهذه المسؤولية الثقيلة و التاريخية » قد يوحي بموافقة القضاة ورضائهم على المساس بحقوقهم والحد من ضماناتهم وتطلعهم الى مجلس منصب تحت الادارة المباشرة للسلطة التنفيذية بدلا عن مجلس منتخب يحقق ادارة ذاتية للقضاء ويضمن حسن سيره واحترام استقلاله.!
4- ورغم كل ذلك، يؤكد قيس سعيد انه لا يستهدف استقلال القضاء بل كان« المعيار الاول هو ان يكون القضاة مستقلين! «
بل نراه يشدد على انه « لم يتدخل في اية قضية ولم يرفع اية قضية ولن يقبل بالتدخل من اية جهة كانت! «
فهل يمكن ان يخفى ان تعليق الضمانات القضائية وحل مجلس منتخب والاشراف المباشر على اعضاء المجلس المؤقت والتصرف في التعيينات و الاعفاءات والحركات القضائية يرتقي الى مستوى الادارة الفعلية للعدالة والقضاء وهو ما يجعل رئيس الجمهورية في غنى عن التدخل في القضايا او رفعها.!
5-كما نراه لا يتردد في التأكيد على استقلالية الاعضاء المنصبين في المجلس المؤقت مشيرا الى « ان اول مقياس يتم اعتماده في عملية الاختيار هو الاستقلالية والكفاءة « وان » المطلوب من اعضاء هذا المجلس ان يبرهنوا على استقلاليتهم! » وهو ما يدعو الى التساؤل عما اذا كان « اختيار القضاة المتقاعدين من الاسلاك الثلاثة » بعد التحري والتقصي- كما قيل-يهدف الى تحقيق استقلالهم عن السلطة التي اختارتهم او دعتهم الى الترشح.؟ علما وان الاختيار قد تم من قبل الرئيس وحكومته من بين « القضاة الذين قدموا ترشحهم ومن الذين لم يقدموا ترشحاتهم وقبلوا بان يتحملوا المسؤولية» !