كتبت ذات يوم، من خلال تدوينة حول الشك المرضي و الشك الفطري، فقلت في هذا الأخير ما يلي " قد يمرالانسان في حياته بلحظات من الشك، بحيث يكون الشك أصلا، شكا فطريا، وهو شك عابر يساعدنا على اتخاذ القرارات السديدة في الحياة، لان الشك الفطري يطرح لك خيارات و فرضيات تدفعك للتفكير و التروي قبل اتخاذ القرار المناسب. "
و حيث ان محدثكم، من هواة الشك الفطري المسترسل، فقد أعدت قراءة المقال الذي كتبته بجريدة "الزُرّاع ،les semeurs"تحت عنوان "مقاومة الارهاب و مهدي جمعة:النجاح المغيب و المسكوت عنه" و دار بداخلي جدل فكري، يمكن ان يعترض كل قارىء متبصر،بطرح تساؤلات لن يجد لها جواب إلا عند كاتب المقال ،و لان الشك طريق لليقين ، حدثتني نفسي متسائلة ، فأجبتها و تجاذبنا أطراف الحديث حول النقال ، فدار الحوار التالي بيننا:
نفسي:ماهذا المقال ، ايعقل، ان يتم اليوم تقييم نجاح مسيرة رئيس حكومة في مقاومة الارهاب من عدمه على أساس عدد الضحايا التي سقطت في العملية التي تبنتها الجماعات الارهابية في تونس ؟
أنا:سوْال في محله،نعم ان الطريقة المعتمدة عالميا في تقييم مسيرة حكومة في مجال مقاومة الارهاب يقتضي اعتبار ٧عناصر مهمة ، أولها طبيعة مهمة الحكومة، الفترة الزمنية المناطة بعهدتها لإنجاز المهمة، عدد العمليات الارهابية فترة المهمة، ضحايا العمليات الارهابية من جرحى و موتى، قيمة الأضرار المادية المباشرة على مستوى البنية التحتية و اخيراً انعكاس العمليات الارهابية على المؤشرات الاقتصادية الوطنية و الترتيب السيادي للبلاد، مسرح العمليات الارهابية فترة حكومة معينة.
نفسي:و ماهي مراجعك في هذا؟
انا:إن البحث عن المعلومة، يعتبر بالنسبة لي غاية في الأهمية، حتى لا اكون طرفا من بين الأطراف التي تضل الرأي العام بمعلومات لا أساس لها من الصحة،فإمكانك الولوج الى موقع مجلس الامن التابع لمنظمة الامم المتحدة ، للاطلاع على تقارير المبعوثين الأممين جراء العمليات الارهابية التي قامت بها بوكوحرام و القاعدة و غيرها من التنظيمات المحضورة حتى تدركي طريقة التقييم المعتمدة ،أو الاطلاع على وثيقة مرجعية أعدتها الحكومة الكندية في مجال إدارة الأزمات الأمنية و تقييم المخاطر الارهابية قبل وقوعها و بعد وقوعها بطريقة لا تختلف على الطريقة التي ضمنتها في مقالي بالنسبة لحكومة المهدي الجمعة،
نفسي:لكن تقييمك استناد لا غير على تعداد ضحايا و جرحى الارهاب لا غير، فكيف تكون حكومة المهدي جمعة هي الأفضل في السيطرة على الارهاب ؟
أنا:لقد فضلت إعتماد اُسلوب في الكتابة، بالشكل الذي يمكن القارئ من التساؤل و البحث عن المعلومة ، دون ان يكون مجرد إنسان متلقي ، تنهي علاقته بالموضوع بمجرد الانتهاء من قراءة المقال، زد على ذلك، فإن مباشرة للموضوع خاصة في خصوص المهدي جمعة، لم يكن دقيقا،و كان سطحيا بحيث لو اردت إبرازه في صورة بطولية، لقد عددت الكثير من الإنجازات ذات الطابع الاقتصادي و المبادرات العالمية التي دفع بها، و الوضع الذي كانت فيه البلاد آنذاك و طبيعة المهمة و علاقة الحكومة الموقتة مع الاحزاب السياسية و المنظمات النقابية الخ ،،،و على إثرها ستتهمني العقول البسيطة بتلميع صورته و محاولة إثبات عجز حكومة السيد الحبيب الصيد على جميع الاصعدة و أهمها الجانب الأمني،
نفسي:نعم ، لكن هل كان هناك قصد من وراء كتابتك للمقال ؟
أنا:أردت تسليط الضوء على الوثيقة الاستراتيجية لمقاومة الارهاب التي أعدتها حكومة المهدي جمعة و سلمتها الى السيد حبيب الصيد، ليبني عليها و يطورها، لانها على ما يبدو أن التوجهات المضمنة بها هي توجهات أعتمدت في المرحلة و حصد التونسيون ثمارها من أمن و آمان و هيّئت الأجواء لإقامة انتخابات تشريعية و رئاسية ، عمتها السكينة و الطمأنينة، زد على ذلك هاته الوثيقة هي ثمرة جهود إداريين و عسكريين و أمنيين تونسيين، من العيب ان تركن في رفوف درج بمكتب مجهول بمقر رئاسة الحكومة لا سيما أنها ثمرة مجهودات وطنية،لم تكلف حكومة جمعة نفسها ، لتعيين مكتب دراسات أجنبي لوضع استراتيجية لمقاومة الارهاب بالمال العام و لم تتجاوز كوادر الادارة التونسية ،
نفسي:و لمذا اعلامنا يتجاهل هاته المسيرة؟
أنا:هنا على القارئ ان يبحث و يتفحص الماضي القريب و الأحداث التي جدت في تعامل الحكومة الحالية مع أعضاء حكومة جمعة، و خاصة حفل جائزة نوبل،
نفسي:و ما تظن نفسك فاعلا، بكلمات كان قد خطها قلمك، سجنت في إطار المقال ،و وابل الإشاعات و الاكاذيب قد ضرب العقول ، فأصبح التونسي يستهلك المعلومات دون التثبت في صحتها و تقييم الحقائق على أساس اشاعات أصبحت مرجعية لديه و بديهية ؟
أنا:بكلمات ، انا اخاطب بكلماتي ، العقول التي تفكر و تنتقد في سرها و علنها ساق ، المهم هو ان نتحرك و لا نقف كجسد الميت،في اي اتجاه ذهبنا بجسدنا و بفكرنا، لنكون بذلك قد عبرنا على ما بداخلنا و في صورة ما استدركنا، نكون قد اصلحنا ما بداخلنا، المهم ان لا نقف حتى لا تمر بنا الحياة و نحن في غفلة من امرنا.