منذ سقوط نظام بن علي في 14 جانفي 2011، تصدرت المعلومة إهتمام الشعب التونسي ، لمعرفة حقائق الماضي و حقيقة الأحداث التي تمر بها البلاد و اخبار الناشطين الحقوقيين و السياسيين و الاحزاب و خبايا ملفات الفساد و أطوار القضايا المنشور بالمحاكم ضد الشخصيات العامة و ذلك في محاول لاستدراك سنوات الجمر و فهم الواقع الجديد المعيش للبلاد التونسية.
فتأثرت الجمعيات بموجب المرسوم عدد 86 لسنة 2011 والاحزاب بمقتضى المرسوم عدد 88 لسنة 2011 وانفتح الجانب الإعلامي الرسمي من نيابة عمومية ورئاسة جمهورية ووزارة داخلية، فتعددت البلاغات والمحاضرات والمسيرات والمنابر الإعلامية التحليلية ووسائل الاعلام من صحف ورقية وإلكترونية وإذاعات تلفزية وسمعية ، فانتقلنا من فترة أحسسنا فيها بجوع على مستوى المعلومة التي كانت الباحث عنها يشقى للحصول عليها من بعض مواقع الانترنت المحجوبة مثل tunizine وجريدة الموقف للحزب الجمهوري، الى فترة تكاد تغرقنا فيها المعلومة لانه أصبحت تشترى وتباع وتساهم في علو شان شخص ما والإطاحة بقيمة أخر دون حدود، لتشمل حتى الوسط العائلي للمستهدفين.
فأصبحنا في ريب من أمرنا، لا ندري من نصدق ولا ندري على اي أساس نبني أفكارنا أو نخطط لمستقبلنا، بعد ان أصبحت الإشاعات تطغى على المعلومة، وتسلل الشك في نفوسنا ، فعجزنا على حسن الاختيار أو مناصرة فلان على علان ، لانها كلها معلومات، رغم انها قابلة للإثبات فأنها تبقى عارية من الصحة في غياب المؤيدات الدامغة، ولكن أثر هاته المعلومات بات يكون خطيرا لان صناعة الشك وجعل الانسان متذبذ الأفكار من شانه ان يكبح جماحنا ويضع في نقطة وقوف في مفترق طرقات.
فسمعنا عن إقتناء الوزير السابق للعدل السيد نور الدين البحيري ، لفيلات وشقق ورئيس الحكومة علي العريض لمعمل لصناعة "الياجور" بالشراكة مع أخيه عامر العريض، واستحواذ السيد حمادي الجبالي على سلسة من الممتلكات بسوسة، تم تسجيلها بإسم ابنته البكرية ومعمل تصنيع أدوية وكمادات على ملك الدكتور الوزير الأسبق للصحة، عبد اللطيف المكي بالشراكة مع أتراك، امتلاك المهدي جمعة عن طريق إستغلال النفوذ لمحطة وقود بالطريق المؤدية المرسى الى جانب إقتناء فيلا فاخرة بالمليارات في منطقة قمرت، أو إستغلال نفوذ المتواجدين في السلطة من طرف اقرابائهم للحصول على منافع ومكاسب تكاد تكون بالدينار الرمزي، إستغلال سليم بن حميدان لخطته كوزير أملاك الدولة للتصرف دون حسيب أو رقيب في ممتلكات التجمع المنحل او الممتلكات المصادرة، تقاضي حمة الهمامي لمبالغ شهرية بالاف الملايين من الخارج، استغلال سهام بن سدرين لمنصبها ورفض خلاص قرض ضخم، اسند لها بوساطة ودون ضمانات من المال العام، الخ من هاته المعلومات التي لم تثبت صحتها الى تاريخ الساعة وبالتوازي تدار منابر إعلامية لاقناع المتلقي بصحة المعلومة دون تقديم ادلة وبراهين وتبني بعض الاحزاب في السلطة او في المعارضة وجمعيات مدنية، خطبها وبياناتها على كشف الفساد واتهام الحكومة المسيرة بالتستر واجهزة الدولة الرسمية بالتواطئ، بالتوازي مع طرح مشاريع قانون، في مجال الحوكمة ومقاومة الفساد والتصدي للإثراء الغير مشروع، تطفو على السطح، إعلاميا ثم تترك وقتيا إلى أجل لاحق . أليس حريا بنا أن نتسائل على مصادر المعلومات التي نتلقاه و نتثبت فيها قبل أن نسلم بصحتها ؟
ألم يدرسنا معلمونا الأجلاء في مقاعد الدراسة الآيات الكريمة التالية "﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) ﴾"؟ لكننا بالرغم ذلك نتناقل الأخبار المشكوك في صحتها في مجالسنا و عبر صفحات الفايس بوك ،أليس من العيب أن نصبح أداة بسذاجتنا ، اداة غزو بيد صانعي الإشاعات و المعلومات التي تهتك الأعراض؟ الإشاعات تعيق توجهاتنا و تشل حركاتنا و تزرع فينا الشك المرضي، فنصاب بالاحباط و تفقدنا الثقة في الغير و تكبح جماحنا، لتقديم التضحيات في سبيل الوطن اذا سلمنا جدلا دون التثبت أن من أنتخب أو كلّف لتسيير البلاد، قد تفننوا في سرقة أموال الشعب و تحويل أحلامه الى كوابيس يقظة، علينا أن نصارح أنفسنا في لحظة صدق تخلو من النفاق الذاتي و الإعلاء النفسي، فنسأل، من منا سعى الى البحث في حقيقة معلومة سمعها ؟
من منا اصر على البحث عن الجهات المسؤولة عن تسريب الإشاعات و المعلومات الزائفة و هوية الجهة المستفيدة ؟ فالتسليم بالإشاعات و ترويجها عن جهل،يلقي الريبة في قلب المتلقي ، فيرهبه و يزرع فيه الخوف ،و بذلك تحول وجهة تفكيره، لحساب الجهة المستفيدة من الإشاعة،و الجدير بالتذكير حسب رايي، انه لا فرق بين العمليات الارهابية التي تقوم بها الجماعات المحظورة و حملات التشكيك من خلال نشر الإشاعات،لأنهم الارهابيون يشتركون مع مروجي الإشاعات في احداث الخوف و الترهيب، و كلا الفرقتين، أعمالهما تخلف ضحايا بشرية، فالإرهابيون من خلال عملياتهم يخلفون موتا و جرحى لكن مروجو الإشاعات من خلال حملات التشكيك ، يحصدون ضحايا أكثر، لان المتلقي، سيتحول رويدا رويدا بعد التسليم، الى إنسان عاجز و متذبذ الأفكار، فيعم الموت في داخله و تشل ملكة تفكيره و ما أفضع الموت الفكري و العجز النفسي الداخلي و نحن أحياء على المعنى البيولوجي.
وقد لا ينشغل البعض للبحث عن حقيقة الأشياء بموجب النظر في باطن المعلومة، لاكتفاءه بنفسه و التعفف في الدخول في صراعات فكرية ، لكن الإشاعة تدمرنا من الداخل دون ان نشعر، لانه في صورة التسليم بصحتها، تتحول الى عنصرا رئيسيا في معادلة إتخاذ القرارات الشخصية و بناء الرؤى الفكرية لكل منّا ، لترانا نتحول الى كائنات بشرية مسيرة وفق خيط ناظم، رسمه لنا المستفيدون من ألإشاعات حقائق الماضي و بذلك يتم استغفالنا.