وِينِكْ هِزِّي عْيونِكْ هِزْ ... نَا ڤلبِي بِالخِيرْ إدِزْ"، مطلعُ أغنيةٍ هادئةٍ ورائعةٍ سمعتُها اليوم على المباشِر خلالَ ندوةٍ ثقافيةٍ فكريةٍ بالعاصمة.
دعوةٌ لطيفةٌ وألطَفُ منها صاحبتُها. وصلتني اليوم رسالة فيسبوكية خاصة تدعوني فيها الزميلة ليلى بالحاج عمر لحضور الاحتفال بتأسيس "جمعية الزرّاع للبدائل الثقافية"، جمعية باعثة لِموقع الزرّاع الألكتروني. كان الحضور متواضعًا، 26 منهم 10 نساء.
دعوةٌ أخرجتني من عالمي الافتراضي الفلسفي بالسماع )يوتوب) وانتزعتني انتزاعًا من روتيني اليومي السعيد (مقهى-مطالعة، يوتوب، كتابة ونشر فيسبوكي وورقي)، بارك الله فيها وجازاها الله خيرًا وشَفَى الشافِي مَن ترجو هي شِفاءَه.
هيئةٌ مديرةٌ أشرفت على الندوةِ وافتتحتها: شهاب بوغدير- رئيس، ليلى - نائبة رئيس، د. محمد ضيف الله - عضو، سعيد الجندوبي - عضو. افتتاحٌ تلاهُ تدخلٌ رشيقٌ من الأستاذ نور الدين العلوي، عضو مؤسس للجمعية، قال أنه هو مَن اخترع اسم "الزرّاع" ونوّه كثيرًا مشكورًا بتجربة جمنة. جاء دوري وكمتعاطف غير منتمٍ للجمعية قلتُ الآتي:
جملة اكتشفتها حديثًا، حفظتها، أحببتها فردّدتها وهي ( à gentillesse, je ne peux rendre que plus de gentillesse). لم أحْظَ في حياتي بأفضلِ مما حُظيتُ به من قِبل أعضاء الجمعية دون استثناء: احترامٌ وتبجيلٌ وتقديمٌ ولطفٌ وأدبٌ وكياسةٌ أكثر مما كنتُ أنتظر. لكنني سأردّ الجميلَ بالنقدِ، وهو عندي أرقَى درجاتِ "الجَنْتِيّاسْ"، لا بل يفوقُها صِدقًا ونزاهةً ومنفعةً ("رحم الله اِمرِأً أهدى إليَّ عيوبي" عمر بن الخطاب). قال محمد متحدثًا عن الجريدة الألكترونية "الزرّاع": "رفضنا مرة نشرَ مقالٍ منحازٍ لحفل ميشال بوجناح في قرطاج لأنه يتناقض مع خطنا التحريري". أي خَطٍّ تحريرِيٍّ هذا الذي يقف في وجه الرأي المخالف؟ أهذا تحريرٌ لحرية التعبير أم تعطيلٌ لحرية التعبير؟
لماذا لا نتعظ بحرية التعبير المجسمة في القرآن الكريم والتي نقلت لنا حرفيًّا عصيان الشيطان لله سبحانه وتعالى ونقلت لنا أيضًا كلام مَن شانَ سمعة الرسول صلى الله عليه وسلم، لا بل نتعبد بآياتِ معارضاتهم ونتلوها بكرةً وأصيلاَ! قال سعيد مُشيدًا بنجاحات "الزرّاع": "نشرنا 4000 مقال وبلغ عدد متابعينا 28 ألف". رقمٌ نسبيًّا مرتفعٌ بالمقاييس التونسية الضيقة ودون "سبنسورينڤ". لكن هل تعلم يا أخي أن مقالاً واحدًا لمذيع الجزيرة المشهور أحمد منصور يتقاسمه 200 ألف أنترنوت، دقائقَ معدوداتٍ بعد نشرِهِ؟
وهل تعلم أن تغريدةَ ملك السعودية سلمان الأخيرة على التويتر والتي رحّب فيها بحجاج قطر واستضافهم على نفقته الخاصة، تابعها 350 ألف سويعاتٍ فقط بعد صدورِها؟ وهل تعلم أيضًا أن صفحتي الفيسبوكية الخاصة "المفكر الحرّ مواطن العالم د. محمد كشكار" تابعها 21 ألف فيسبوكي خلال تسع سنوات ونشرتُ فيها ما يزيد عن ألف مقال؟
أما حكاية اسم الجمعية "جمعية الزرّاع للبدائل الثقافية" فلي احترازٌ شديدٌ على كلمة "بدائل". البديلُ عندي هو انبثاقٌ (Émergence) يأتي بعد حوارٍ بنّاءٍ جماعِيٍّ (Construction) يسبقه هدمٌ فردِيٌّ (Déconstruction)، أو مراوحةٌ بين كل هذه المراحل السابقة، أو لا يكون. البديلُ ليس جاهزًا عند أحدٍ أو عند جمعيةٍ مهما علا شأن الأول أو الثاني. البديلُ يُصنعُ ولا يُهدَى ولا يُفرضُ من أحدٍ على أحدٍ.
تخلّل الندوةُ وصلةٌ موسيقيةٌ هادئةٌ ورائعةٌ: كلماتٌ شعريةٌ رقيقةٌ وعزفٌ على العودِ من آداء الثنائي المرح سلاف الذهيبي وعمر بوثور من الفرقة المحترفة "نوارس العشق".
خاتمة: أتمنى لجميع أعضاء "جمعية الزرّاع للبدائل الثقافية" المزيدَ من التألقِ والنجاحِ ولجريدتِهم الألكترونية المزيدَ من الانتشارِ لمقالاتِها والكثيرَ من الانفتاحِ على الرأي المخالف لخط تحريرها.
إمضائي
وَ"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)