كيف يكون التقييم علميا وموضوعيا وقد زارني المتفقد سبع مرات فقط خلال 36 عام تدريس:
- خلال ثمان سنوات تعاون في الجزائر، زارني المتفقد مرة واحدة وأنا أدرّس اللغة الفرنسية، بقي معي ربع ساعة، أمضاها في الشكر والإطراء على مدرس في غير اختصاصه! في الجزائر، يُسمون المتفقد مفتشا لأنه يفتش عن نقاط ضعف المدرس ليمسكه منها حتى ينكسر هذا الأخير ويذل. يستمد المفتش قوته من ضعف المدرس وانعدام مقاومته وغياب صموده وفقدان ثقته بنفسه.
- زارني متفقد فرنسي عام 76 في جربة في آخر عامي الثاني تربص (دائما الأستاذ الجديد يقول في نفسه: هذه مهنة وقتية وسوف أكمل تعليمي وأنتقل إلى العالي وفي أكثر الحالات يبقى في الثانوي طوال عمره أستاذا كما دخل أو أقل بحكم العمر والمرض)، رفضتُ قبوله لأني كنتُ قد أتممتُ البرنامج وليس لي ما أدرّسه في القسم، عاقبتني الوزارة واستغنت عن خدماتي نهائيا. رجعتُ إلى العمل في التعليم في نفس السنة عن طريق النقابة مع نقلة عقاب إلى غار الدماء.
- زارتني متفقدة فرنسية في غار الدماء وأنا متربص، قالت لي أثناء النقاش: لقد ارتكبتَ خطأ علميا. أقنعتها أنني لم أفعل واقتنعت ورسّمتني بـ16 على 20.
- زارني متفقد في غار الدماء وخفّض لي العدد من 16 إلى 10 ثم رجع بعد شهر وخفضه ثانيةً إلى 9 عقابا لي عن تجربة طريفة ومقنعة قمتُ بها في القسم (Isoler le cœur d`une grenouille pour prouver son automatisme)، قال أن التجربة لا توجد في البرنامج الرسمي، حاسبني ظلمًا عن معلومة علمية صحيحة علمتها لتلامذتي، من سوء طالعي ونحسي كان المتفقد يجهلها في ذلك الوقت، ولم يقتنع بعلمي كما اقتنعت المتفقدة الفرنسية وشكرتني.
ليس العيب في جهل المعلومة في حد ذاتها، وهذا وارد لدى أعلم الأساتذة، ولكن كل العيب يبرز عندما يعتبر المتفقد المعلومة الصحيحة خطأ لأنه يجهلها والأغرب أن يسجلها في تقريره مع العلم أن هذا المتفقد بالذات يفوقني علما وتجربة وهو من أكفأ المتفقدين وأنزههم وأعلمهم لأنه متحصل على شهادة الدراسات المعمقة في علم الوراثة على ما أذكر.
- زارني متفقد في برج السدرية، طرق الباب وطلب مني الإذن بالدخول، فتحتُ له الباب ورحبتُ به ترحيبا كبيرا وقلتُ له: أول مرة في حياتي يحترمني متفقدٌ! زادني أربع نقاط ونصف فأصبح عددي 13.5.
- متفقد غار الدماء المذكور أعلاه لحقني بعد عشر سنوات صدفة إلى مندوبية بنعروس ووجدني أستاذا مكوِّنًا مع زميله الذي سبقه، جاءني وأنا في حصة تكوين وطلب مني بكل لطف وروح رياضية أن أنسى المشكلة التي وقعت بيننا في غار الدماء فاستجبتُ لطلبه فورا من فرط أدبه وسلوكه الحضاري. "تشاءُ الأيام كما يشاءُ كشكار" ويتفقدني هذا الأخير في برج السدرية وينصفني أيما إنصافٍ ويعطيني عدد سبعة عشر على عشرين, عددٌ ما زلت أفتخر به حتى اليوم.
خاتمة: كيف يكون تقييم المتفقد علميًّا وموضوعيًّا وهو لا يزورُ المدرسَ إلا بِمعدل مرة كل خمس سنوات، ويقيّمه خلال ساعة بعد أن يُفقِده توازنَه النفسي بِطلتِه البهية وتكبّرِه وتجهّمِه. ينهارُ المدرسُ منذ البداية وهو لا يرى في عينَي زائرِه إلا الترصّدَ لأخطائه وتدوينها وبحضور المدير أحيانا.
إمضائي
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.