أنطلقُ في نقدي وتقييمي من حقيقة ثابتة في مخي لا تتزحزح، وهي التالية: قالها فيليب بيرنود، عالِم الاجتماع السويسري: "لن يرتقي أي إصلاح تربوي إلى رهانٍ مجتمعيٍّ كبيرٍ ما لم يستفدْ منه أولاً التلامذة الذين يتعثّرون في دراستهم".
Une réforme du système éducatif n’est un enjeu majeur que si elle profite, en priorité, aux élèves qui ne réussissent pas à l’école. P. Perrenoud, 1997
رسالةٌ مفتوحةٌ إلى وزيرِ التربيةِ من سنةِ 1975 (تاريخ تعريب الفلسفة في عهد وزير التربية السابق إدريس ڤيڤة) إلى سنةِ 2018، رسالةٌ عنيفةُ اللفظِ، على قَدْرِ وقعِ قراراتِك الأعْنَفِ:
1. قرار إلغاء التعليم الإعدادي المهني:
أولاً، خسّرتنا ماديًّا آلاف الآلات باهظة الثمن. ثانيًا، زدتَ من عدد المطرودين والمنقطعين سنويًّا (100 ألف) الذين لم يجدوا في التعليم مكانًا لتنمية ذكائهم المهني اليدوي.
أفقدتنا يدًا عاملةً مختصةً فأصبح البنّاءُ التونسي (Le maçon) لا يُحسن استعمال أجهزة القيس البسيطة كالمتر والمثلّث.
2. قرار إرجاع مناظَرَتَيْ السيزيام والنوفيام في زمن التقليل من الامتحانات:
أعدتهما لفرزِ المتفوّقين وعزلِهم حتى لا يستفيدَ منهم أترابُهم غير المتفوّقين وأنت تعلم جيدًا - يا وزير التربية الـمتفوّق - أن التلميذ الناجح هو أحسن قدوة لأخيه التلميذ المتعثّر وأفضل عكّازٍ له. لماذا جمعتَ أبناءنا المتفوّقين عكاكيز أبنائنا المتعثّرين في جيتو (Ghetto) وأطلقت عليه اسم معهد نموذجي؟
فَصَلتَهم يا متفوّق "صفر فاصل" عن مَن هم في أشد الحاجة إليهم (زملاؤهم المتعثرون)، "عشعشتهم"، سَمَّنتهم ودللتهم، ثم صدّرتهم لقمةً دسمةً سائغةً جاهزةً حاضرةً طازجةً مجانيةً لمَن لم يدفع مليمًا واحدًا أحمرَا في تكوينهم، القطاع الخاص الأجنبي. جزاك الله شرًّا على طـ…
3. قرار تعريب تدريس المواد العلمية في الإعدادي مع الإبقاء على فرنستها في الثانوي والجامعة:
ثبّتْ روحك يا وزير التربية الـ… عرّب "وَلَّ" فرنس لعنة الله عليك، شوّشتَ عقول أجيالٍ متتاليةٍ بأكملِها يا أكبر مشوّشْ عقولْ رأيتُه في حياتي، يا وزير "الهانة ورڤود الجبّانة".
4. قرار ضمني بعدم متابعة ومحاسبة مقاولي الدروس الخصوصية:
غضضتَ عنهم النظرْ يا قصير النظرْ، يا مَن مِن المفروضِ أن يُرجعُ إليه بالنظرْ، يا عديم النظرْ وصاحب الضمير العاجز المستترْ، أطلقتهم فينا كالكلاب ينهشون لحمنا ويَحشون أدمغة أولادنا بمعارف لا تُصلِح، لا بل تضرْ.
5. قرار مساعدة الجشعين المستثمرين في التعليم الخاص:
منحتهم مساعدات مادية وتسهيلات قانونية ولم تتفقدهم كما تتفقدنا فتكاثروا كالفطر دكاكينَ دكاكينْ يستغلون مَن هم من مدرستك العمومية هاربينْ.
6. قرار إنشاء معهد لتكوين المتفقدين بقرطاج:
كل التونسيون يطالبون بإنشاء كلية تربوية يتخرّج منها الأساتذة والمعلمون، مدرسون أكفاء بيداغوجيًّا جاهزون للتدريس. أحبطتَ آمالهم في تعليمٍ أفضل، خيّرتَ اللجوء للأسهل والأرخص يا ر…،
ملأت مدارسنا بآلاف المعوّضين بمرتبٍ هزيلٍ مُهينٍ، وركزتَ على تكوين كُتّاب التقارير المتفقدين (دون تعميمٍ). هل المتفقّد هو مَن سيدرّس في القسم وينهض بمستوى تلامذتك؟ لعلمك يا سيدي يا قابِر أحلامي، خلال 30 سنة تدريس في تونس + 8 في الجزائر، في الجزائر زارني المتفقد مرّةً واحدةً، وفي تونس 6 مرّات، مرة رفتني من التعليم (أرجعتني النقابة)، ومرّة خفّض لي العدد البيداغوجي من 16 إلى 9 دفعة واحدة.
7. قرار إنشاء المعاهد والإعداديات النموذجية:
خلقتَ تمييزًا إيجابيًّا في غير محلّه لفائدة تلامذة نسبيًّا متفوّقين، تمييزٌ ليسوا في حاجة إليه، وفي نفس الوقت حَرَمتَ منه مَن هم في أشد الحاجة إليه، أعني بهم التلامذة المتعثّرين في دراستهم، وعددهم الهائل كل عام يُضافُ إليه 100 ألف مُنقطِعٍ، 100 ألف يا وزير التربية الـ…، طبعًا، ليسوا أبناءك ولا أبناءَ طبقتك يا مُفْتَرٍ، أعوذُ بالله منك ومن الشيطان الرجيم، أكبرُ مفسدٍ في الأرض، هو معلّمك ولستُ أنا!
خاتمة: يبدو لي - والخبراء أعلم - أن كل الإصلاحات التي طبقتها وزارتك خلال تاريخها "المجيد"، قراراتٌ تفسِدُ ولا تُصلِحُ. لقد ساهمتَ، وبصفة مبيّتة وممنهجة، في تدنّي المستوى العلمي، وهمّشتَ دور التعليم العمومي لصالح التعليم الخاص المرخّص له وغير المرخّص له (Les cours particuliers presque obligatoires et chèrement payés).
إمضائي: "إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران