بعـــض من دروس الانتخابات البلديــة ..

Photo

مبدئيا الانتخاب فرصة دورية تتاح للناخبين لتوقيع " الجزاء المناسب " على "آداء المسؤولين السابقين إمّا بالتجديد لهم أو بمنح الثقة (جزئيا أو كليا ) لغيرهم.

لا محالة هذه " المسلّمة " ينبغي أن يقع تطبيقها ببعض المرونة لاعتبارات عديدة منها أن المسؤولين البلديين السابقين لم يكونوا منتخبين ممّا جعل الناخب يتّجه إلى جزاء اشخاص آخرين يتموقعون على المستوى المركزي أي الحكومي والبرلماني ـ أساساـ سواء ضمن الإئتلاف الحاكم أو ضمن المعارضة ..

ورغم تداخل وتشابك الضوابط المتعلقة بالإنتخابات البلدية الأخيرة ، منها البعد التنظيمي والمالي ، وعوامل القرب العائلي والجهوي وحتى القبلي ، فإن المشهد الذي جاءت به هذه الانتخابات يقود إلى بعض الاستخلاصات ، ستكون لها حتما تداعيات على انتخابات 2019 ، ولكن ليست بالضرورة تداعيات ميكانيكية بسيطة ، من هذه الاستخلاصات:

أوّلا : أفرزت الانتخابات مشهدا مختلفا عن المشهد البرلماني بحيث لم يعد الائتلاف الحاكم " برلمانيا " يحكم بنفس الأغلبية " بلديا " ، فنجد مجالس بلدية عديدة لا يمكن ان يتمّ حكمها بتوافق الحزبين الكبيرين ، لذلك مطروح على الحزبين الحاكمين إعادة صياغة " توافقهما بلديا" وإلاّ سيجدان أنفسهما في التسلّل.

ثانيا : نسبة المشاركة التي لم تتجاوز الـ34 بالمائة إلاّ أنها كانت متوقعة ، ولكن عزوف نسبة كبيرة من الشباب (وهو ما ستؤكده الإحصائيات) يمثّل جزاء قاسيا لكامل النخبة السياسية التي تتحمّل المسؤولية عن " اهتراء " عناية الناس والشباب خاصة بالشأن العام ، وهنا أتحدّث عن امتناع أكثر من ثلثي الناخبين المسجّلين عن الإدلاء بأصواتهم ، ولا أتحدّث عن غير المسجّلين .

ثالثا : العقاب الأقسى كان موجّها لحزبي الإتلاف الحاكم حسب النسب الأوّلية وحسب عدد المقترعين الذين صوّتوا لفائدتهم مقارنة بسنة 2014 ، وتتضاعف قساوة العقاب حين نكتشف أن النسبة الأرفع هي للقائمات المستقلة بأكثر من 28 بالمائة من الأصوات المدلى بها ، بل إن مجالس بلدية عديدة فازت فيها القائمات المستقلة بأغلبية مطلقة مثل قائمة أريانة والمرسى والمحرس وقرقنة ..إلخ ، مع العلم أن جلّ هذه القائمات المستقلة لا تتحوّز على تملكه الأحزاب من تقاليد وأموال وماكينات انتخابية ضخمة ، ولكنّها تمكّنت من الحصول على تعاطف كبير بفعل " القرب" ووجد فيها الناخب بديلا آخر يمكن المراهنة عليها لتحقيق انتظاراته على المستوى المحلّي.

رابعا : شهدت الانتخابات البلدية صعود قوى سياسية كانت إلى وقت قريب غير وازنة لحداثة تكوينها وخاصة التيار الديمقراطي الذي استفاد كثيرا من تفكّك حزب المؤتمر وغضب عدد كبير من النهضاويين على آداء قيادتهم ، إضافة إلى وضوح وتجذّر مواقف قادته داخل البرلمان ، ممّا بوّأه مكانة صاعدة على مستوى عدد كبير من المجالس البلدية ، رغم أنّه لم يترشّح سوى في 60 بلدية .هذا إلى جانب حزب بني وطني وتطوّر نسبي لشعبية حركة الشعب في بعض المناطق ..في حين حافظت الجبهة الشعبية على نفس الوزن تقريبا .

خامسا : رغم ما يمكن أن ينجم عن ضعف المشاركة من انتكاسة للعمل السياسي ولمستقبل الديمقراطية ، فإن الفسيفساء التي أفرزتها الانتخابات ستفرض على أعضاء هذه المجالس نوعا من التعايش الإجباري ليشتغل المرفق البلدي ، لكن أيضا سيكون هنالك مجال للصراع وفق آليات اليمقراطية والتشاركية ، قد يكون من أطرف التجارب وأكثرها تدريبا على التقدّم في ظلّ الاختلاف .

سادسا : والأهمّ من كل ذلك أنه لا يمكن لأي طرف سياسي مستقبلا أن يحتكر العمل البلدي ، ممّا سيحول ـ نسبيا ـ دون تفشّي الفساد سواء فيما يتعلق بالصفقات أو إسناد الرخص أو الانتدابات ..إلخ بحيث سيكون كل طرف رقيبا على الآخر.

أخيرا قد تكون خمس سنوات خبرة من العمل البلدي فرصة لتكوين جيل جديد من القيادات السياسية الشابة والملتصقة بالشأن المواطني ، تتهيأ ربّما , محل هذه الطبقة السياسية التي أظهرت عجزها ..خاصة إذا علمنا أن قيادات سياسية كبرى في العالم بدأت حياتها السياسية في المجالس البلدية.

ننتظــــر ونــــرى… ربّمـــا تكــون تونس أجمـــل !

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات