منذ مدّة صدّع أنصار الحكومة وأصوات عديدة داخل النقابات الأمنية ، أنّ وزارة الداخلية قد تعافت واستطاع البواسل في مختلف التشكيلات من دحر الإرهاب وأصبحت تونس " بلد الأمن والأمان " ..
المعطيات:
1 ـ قارب في طول 9 أمتار يقلّ ما بين 180 و220 من المبحرين " خلسة" ، وعلى بعد بعض أميال (16 حسب رواية الجيش) وينقلب المركب ويموت ويفتقد أكثر من 100 من الشباب في عمر الزهور ..
2ـ من بين " الحارقين نساء حوامل وأطفال ، شباب من مختلف الولايات والجنسيات ..، وتجميع هؤلاء في مكان واحد يفترض تنظيما محكما وتنسيقا لوجستيا من عدّة أفراد ولمدّة ّ أيام إن لم نقل أسابيع ..
3 ـ تكلفة الشخص الواحد للترشّح لهكذا "حرقة" ما بين 3 و4 آلاف دينار ، مع العلم أن هذه العملية بالذات كانت فيها مصاريف إضافية تتمثل في دفع تكاليف مركب آخر ينقل الحارق من شاطئ سيدى منصور إلى ملّيتة بمقابل يتراوح من 300 إلى ألف دينار ، وبذلك فإنّ المنظّمين يكونوا قد وفّروا من وراء العملية أكثر من 500 ألف دينار ..
الســؤال : ماهو موقع الأجهزة الأمنية في كلّ ذلك ؟؟
الجواب يطرح فرضيّتين :
الفرضية الأولى : أن عملية 2 جوان أفلتت من سيطرة الأجهزة الأمنية ولم تستطع استباق مغادرة المركب من شاطئ قرقنة ، ولم تتمكّن وسائل استخبارها و تنصّتها من التعرّف على ما جرى على شاطئ سيدي منصور ، وهنا يصبح الحديث عن النتائج الباهرة في الانتصار على الإرهاب وحرفية الأجهزة الأمنية محلّ ارتياب وشكّ كبير ، وهنا نطرح سؤال : ماذا يكون الوضع لو كان هذا المركب يحمل دواعش قادمين من ليبيا أو من انصار الشريعة ؟؟
الفرضية الثانية : العملية لم تكن مجهولة لدى الجهات الأمنية بحكم اختراق هذه الأجهزة لمختلف أوساط التهريب ومنظّمي مثل هذه الرحلات ، ولم تحاول هذه الأجهزة منعها وتركت المركب يدخل البحر ويغادر شاطئ ملّيتة ، وتركت أيضا مراكب سيدي منصور تقلّ " الحرّاقة " إلى شواطئ قرقنة ..
ولكن ، ما الذي يدفع أجهزة أمنية إلى موقف خطير مثل هذا ؟؟؟
جزء هامّ من الرأي العام في صفاقس يعتبر أنّ وراء هذا الموقف المتواطئ قرار سياسي يقضي بترك الشباب يهاجر ويواجه مصيره لتخفيف التوتّر الاجتماعي والاحتقان المتزايد في أوساط الشباب العاطل ، بل وهنالك أيضا من يفسّر هذا الموقف باستفادة عدد من الكوادر الأمنية من خلال الحصول على " عمولة " في كلّ عملية ..خاصة بعد ثبوت تورّط أمنيين في الملفات التحقيقية المنشورة أمام محاكم صفاقس .
في كلّ الحالات فإن الكارثة التي حصلت تثبت مرّة أخرى حالة وهن وعجزا كبيرا للدولة بمختلف مؤسساتها على احتضان أبنائها وتحقيق أحلامهم في العيش في وطن يضمن لهم " العيش ضمن الحدّ الأدنى. "
وحين يعجز الوطن على احتضان كلّ أبنائه وتحقيق أحلامهم تفتح لهم قوارب الموت ذراعيها ويتّســــع البحر ليدمّــــر ما بقي لهم من أمل ..