الكاميــــرا الخفـيـة والعــــدالة الإضطــراريــة ..

Photo

أصدرت الدائرة الاستعجالية بالمحكمة الابتدائية بتونس حكما استعجاليا يقضي بإيقاف بثّ حلقات " شالوم" على قناة تونسنا مع التنفيذ على المسودّة ، بناء على طلب من محاميين في حق حزب التيار الشعبي.

من حيث المبدأ فإن القضاء غير معني بتقييم أي عمل فنّي ، بل إن فتح الباب لتقييم الأعمال الفنية والفكرية قد يفسح المجال لما يشبه محاكم التفتيش…

لكن حين يصبح " العمل الفنّي " عملا يتضمّن خطابا سياسيا مباشرا فيه إشادة بأفكار وكيان غاصب وفيه سعي نحو جعل هذا الكيان والأفكار التي يقوم عليها جزءا من اليومي داخل النسيج المجتمعي فهذا أمر آخر .

صحيح حرية التعبير وحرية الإبداع هي حرية من صميم الحقوق والحريات الدستورية والموثقة بالمعاهدات والمواثيق الدولية ، ولكن حق الشعوب في تقرير مصيرها ، والحق في السلم وعدم التعرّض للتهجير والعدوان هي أيضا جزء لا يتجزّا من الحقوق والحريات ..

الفصل 49 من دستور تونس ـ مثل بقية الدساتير الديمقراطية ـ يقرّ بأن الحقوق ليست مطلقة ، وأن إمكانية تقييدها واردة بشرط أن تكون هذه القيود بموجب القانون وأن تكون متناسبة ..ثم ّ يقول "وتتكفل الهيئات القضائية بحماية الحقوق والحريات من أي انتهاك "..

الكيان الصهيوني هو كيان عدوّ ، ليس فقط للفلسطينيين ، بل أيضا لتونس ، أوّلا بحكم ارتباط تونس بميثاق الجامعة العربية والتزامها بمقرّرات المقاطعة العربية التي لا تزال قانونيا قائمة الذات ، الأهمّ من ذلك أن هذا الكيان اعتدى على سيادة الدولة التونسية وارتكب جرائم في حق مواطنين تونسيين : حمّام الشطّ 1985،اغتيال أبو جهاد 1986 ، اغتيال محمد الزواري 2017 …

حين تتولّى قناة تونسية التسويق لإمكانية التعامل مع هذا العدوّ وتشيد برغبته في إقامة السلم ، بل وتتعمّد عنونة البرنامج بلفظة عبرية فإن من حق التونسيين الذين يرون في ذلك تطبيعا مع العدوّ واستخفافا بأرواح شهداء تونس وفلسطين وغيرهم من المقاومين ، من حقّهم اللجوء للقضاء لإيقاف هذا الخطاب السياسي المطبّع والمتواطئ في الوقت الذي يسقط فيه يوميا عشرات من الأطفال والشباب المقاوم في غزّة على أطراف الأرض المحتلة ويسجّلون ملحمة العودة إلى الأرض ضدّ عدوّ غاصب ومحتلّ ..

( هذا دون التأكيد على أن هذا البرنامج المشبوه يفتقد حتّى إلى أبسط أبجديات العمل الاستقصائي ولأدنى أخلاقيات المهنة الصحفية بشهادة نقابة الصحفيين والهايكا ، بل إنّ ما أتاه المشرفون على هذا البرنامج في بعض الحلقات يرتقي إلى العمل الإجرامي ، وهذا موضوع آخر) ..

ماذا بوسع الرافضين للتطبيع ورافعي لواء المقاومة غير الدعوة للمقاطعة واللجوء للقضاء كوسيلة اضطرارية لمنع الزحف السرطاني لثقافة العدوّ وسعيه المحموح للتسلّل إلى بيوت البلد ؟؟ أم هل تريدون لهم أن يحملوا السلاح والعصيّ ويتجهوا إلى مقرّ هذه القناة ؟؟ ام يتوجّهوا بالدعاء على الصهاينة وينتظروا الطير الأبابيل ؟؟

اللجوء إلى القضاء هو أحد الأشكال الحضارية والسلمية للدفاع عن الحقوق لمن لا يعرف أبجديات الحياة الديمقراطية.

هي صفحة أخرى مقاومة في كتاب تاريخ هذا الشعب الذي يرفض الخضوع والتسليم لمن باعوا وتواطؤوا ..

والشكر لقيادة التيار الشعبي صاحب المبادرة وللأساتذة المحامين الذين عملوا بحرفية عالية وللقضاء الذي أصدع بالحكم .

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات