كأنّي بالتاريخ يعيـــد نفسه ..

Photo

يوم 7 نوفمبر 1987 ، صباحا أطلّ الجنرال زين العابدين بن علي ليعلن انقلابه على وليّ نعمته بورقيبة .. خرج الجميع يهلّل ويكبّر بفتح " أبواب الديمقراطية " على مصراعيها ..بل وأصبح الجنرال صانعا للتغيير ، بالفعل اتخذ جملة خطوات كانت جزءا من مطالب الحركة الديمقراطية …

أجريت الانتخابات سنة 1989 وفاز فيها الحزب الحاكم بكل " شفافية " …وأجمع الكلّ على تزكيته ، وكان الوحيد الذي أعلن ترشحه في مواجهة بن علي الصديق عزالدين الحزقي وقد لقي في ذلك أشدّ التضييقات..

شارك الكلّ في صناعة الزعيم الأوحد بما في ذلك من يتصدّر اليوم الصفوف الأولى في النضال الديمقراطي .. وتدريجيا ، كشّر صانع التغيير على انيابه ، فتوجّه إلى محاكمة الإسلاميين، سانده في ذلك عدد من قادة الرأي " الحداثيين جدّا " ، ثم اتجه إلى تصفية اليساريين والقوميين وحتّى الليبراليين .

استعان بن علي في استيلائه على مفاصل الدولة والحزب من خلال نخبة من الجامعيين والإعلاميين الذين سوّقوا " لحسن صناعته للتغيير " ..والذين عادت وجوههم تسطع البلاتوهات التلفزية ، وقيادات بعض اللأحزاب …هذه الأيام .

الخلاصة بن علي هو صنيع النظام البورقيبي والمؤسسة الأمنية والعسكرية ، ولم يكن من المتوقّع أن يكون ديمقراطيا ، ولكن العازفين المطبّلين ، هم الذين تولّوا القيام بمهمّة تبييضه وإظهاره بمظهر المنقذ ، بل ويتحمّلون في جزء وافر المسؤولية الأخلاقية السياسية لاستمرار حكمه وكل الفساد الذي استشرى والجرائم التي ارتكبت .

اليوم ، لسنا بعيدين عن هذا المشهد : يريدون أن يصنعوا من يوسف الشاهد زعيما فذّا حاملا لسيف مقاومة الفساد ، وهم يعتقدون أم ذاكرتنا مثقوبة ، ولا زالت رائحة الحملة الانتخابية الرئاسية والتشريعية تعبق بمال الجراية ومن معه.

يرديون لنا أن نقبل أن اطرافا وأشخاصا كانا منذ أسبوع فقط تدافع باستماتة عن قانون لتبييض الفساد أصبحت اليوم رائدة القتال ضدّ الفساد.

يريدون لنا أن نصدّق أن " الصالح يخرج من الطالح " ، وأن حزبا انبنى على زرع الأوهام وتمويل المشبوه فيهم يشاركه حزب آخر شبع مالا ودعما من نفس المموّل قادر على كسر شوكة الفساد …

للأسف ستمرّ المسرحية ، كما مرّت قبلها ، مسرحية " صانع التغيير" ، في ظل جوقة " التبندير" وضعف المعارضة وعجزها على قلب االطاولة ، والتقاط اللحظة بالدعوة إلى حلف أو جبهة مناهضة للفساد تتولّى ضبط برنامج مرحلي يجمع أوسع الأطراف المدنية والنقابية والسياسية ضمن خطّة قابلة للتنفيذ ، تحرج بها الحكومة وتضعها أمام حتمية المعالجة الحقيقية لمعضلة الفساد بمختلف أوجهه وجهاته المتنفّذة …

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات