المقدّمة:
ما من شكّ أنّ أهمّ ملفّ فساد لم يتمّ الحسم فيه منذ الثّورة، بل أكاد أجزم بأنّه لم يُفْتح أصلاً، إنّما هو ملفّ الفساد في قطاع الموادّ البتروليّة. والسّبب، على بشاعته، واضح. إنّنا نتحدّث في هذا الصّدد لا عن فساد أفراد أو بعض المجموعات، بل أنّنا إزاء فساد دولة برمّتها. فتقاطع المصالح وتشابكها في هذا المجال يجعل مجرّد المطالبة بالتّدقيق فيه مجازفة غير محمودة العواقب. ذلك أنّ الأرقام التي نتحدّث عنها في مجال الموادّ البتروليّة لا تقاس بالملايين بل بملايين الملايين، بحيث أنّ الرّوح البشريّة لا قيمة لها قياسًا بحجم المصالح المعنيّة بكنوز المحروقات.
وإن كان الحال على ما وصفنا، فمن نافلة القول أن تكون المعلومة ذات الصّلة من الشحّة والنّدرة بحيث أنّ مجرّد محاولة استقائها يمثّل مجازفة في حذّ ذاتها. فليعذرنا القارئ الكريم على بعض الهنات التي حطّت من البعد الاستدلاليّ لقراءتنا هذه، فتكتّم الأجهزة الرّسميّة على حقيقة الأمور، والتّراخي عن إقناع المواطن بالحجّة المرقّمة والدّليل العددي، أمر مثير للرّيبة، في حدّ ذاته، ومنذر بشبهة الفساد.
فلنحاول ما استطعنا إنارة السّبيل، عسى أن يتقفّى أثرنا مَن هو أكثر أهليّة للخوض في مثل هذه المسائل.
1 - المساحة الممنوحة للتّنقيب على الموادّ البتروليّة في تونس:
تمثّل المساحة الممنوحة للتّنقيب على الموادّ البتروليّة أكثر من سبعين بالمائة من إجماليّ مساحة الجمهوريّة الّتونسيّة.
2 – العدد الإجماليّ للحقول والمنصّات البحريّة النّفطية في طور الاستغلال:
إنّ الأرقام الرّسميّة في هذا الصّدد تدقيقًا مذهلة إلى أبعد الحدود، فالحكومة تتمسّك بأنّه من أصل 751 حقل انتاج للموادّ البتروليّة لا نكاد نقف على أكثر من 30 حقل منتج! م أسباب هذا التّفاوت؟... لا إجابة!
بل أنّ عدد رخص الاستغْلال التي تقرّ الشركة التّونسيّة للأنشطة البتروليّة بوجودها لا تتجاوز الخمس وعشرين رخصة، والحال أنّنا قد تحدّثنا على مساحة 751 حقل انتاج.
فلنترك إذًا هذه الأرقام جانبًا، لنستقي معلوماتنا من شركاء الدّولة التّونسيّة الأجانب.
أ - الحقول النّفطيّة:
لا يقلّ العدد الجمليّ عن الحقول النّفطيّة التي هي في طور الاستغلال على كامل الأراضي التّونسيّة 37 حقْلاً بتروليّا.
ب - المنصّات البحريّة:
إنّ العدد الجمليّ للمنصّات البتروليّة البحريّة في المياه التّونسيّة يفوق عدد الحقول النّفطيّة البرّيّة، إذ أنّه لا يقلّ عن 45 منصّة بتروليّة بحريّة.
3 - قيمة الاستثمار في مجال النّفط في تونس:
من أبرز خصائص الملفّ النّفطي في تونس أنّ الأرقام الدّقيقة تضحى شحيحة كلّما تعلّق الأمر بالجانب المالي للأنشطة البتروليّة، لكنّ معظم الدّراسات، بما توفّر لديها من معطيات، تورد رقم 500 مليون دينار كقيمة اجماليّة للاستثمار في مجال النّفط.
4 - عدد حقول وآبار النّفط في تونس:
اعتمادًا على الأرقام الرّسميّة، الواردة في الموقع الرّسمي للشّركة التّونسيّة للأنشطة البتروليّة، لدينا 471 بئر نفط في تونس موزّعة على 37 حقل بتروليّ.
5 - أهمّ الشّركات البتروليّة:
إنّ العدد الجمليّ للشّركات النّاشطة في قطاع النفط في تونس لا يقلّ عن 55 شركة معظمها أجنبيّة.
وتوزّع أكبر الشّركات البتروليّة في امتلاك الحقول النفّطيّة في تونس كما هو مبيّن في الجدول التّالي:
اسم الشّركة المُنتجة |
مكان الإنتاج |
اسم الحقل |
معدّل الإنتاج اليومي بحساب البرميل نفط |
حصّة أسهم الشّركة |
شركة بريتيش قاز البريطانيّة |
خليج قابس |
حقل الميسكار |
ما يعادل 20000 طنّ في اليوم (أي 2800 برميل) –المصدر بريتش قاز- |
100% من الأسهم بعنوان المساهمة المباشرة –المصدر بريتش قاز- |
شركة بريتيش قاز البريطانيّة |
خليج قابس |
حقل صدربعل |
ما يعادل 16000 برميل في اليوم –المصدر بريتش قاز- |
50% من الأسهم بعنوان المساهمة المباشرة –المصدر بريتش قاز |
شركة بريتيش قاز البريطانيّة |
الوطن القبلي |
حقل تزركة |
|
|
شركة بريتيش قاز البريطانيّة |
الوطن القبلي |
حقل المعْمورة |
|
|
شركة بريتيش قاز البريطانيّة |
الوطن القبلي |
حقل البركة |
|
|
شركة بريتيش قاز البريطانيّة |
ولاية تطاوين |
حقل البرمة |
|
|
شركة بريتيش قاز البريطانيّة |
ولاية تطاوين |
حقل واد الزّار |
|
|
شركة آني الإيطاليّة
(وهي تستغلّ النّفط في تونس من عام 1931)
|
ولاية تطاوين |
حقل آدم |
الإنتاج الإجمالي للحقول التي تمتلك فيها شركة آني أسهم، والنّاشطة في قطاع المحروقات، ما يعادل 27000 برميل يوميًّا (66 % نفط خام- 33 % غاز – 1 % غاز سائل) |
25% من الأسهم بعنوان المساهمة المباشرة –المصدر آني- |
شركة آني الإيطاليّة
(وهي تستغلّ النّفط في تونس من عام 1931)
|
ولاية تطاوين |
حقل البرمة |
|
50% من الأسهم بعنوان المساهمة المباشرة –المصدر آني- |
شركة آني الإيطاليّة
(وهي تستغلّ النّفط في تونس من عام 1931)
|
ولاية تطاوين |
حقل واد الزّار |
|
50% من الأسهم بعنوان المساهمة المباشرة –المصدر آني- |
شركة آني الإيطاليّة
(وهي تستغلّ النّفط في تونس من عام 1931)
|
ولاية تطاوين |
حقل جبل قروز |
|
50% من الأسهم بعنوان المساهمة المباشرة –المصدر آني- |
شركة آني الإيطاليّة
(وهي تستغلّ النّفط في تونس من عام 1931)
|
خليج الحمّامات |
حقل التّزركة |
|
50% من الأسهم بعنوان المساهمة المباشرة –المصدر آني- |
شركة آني الإيطاليّة
(وهي تستغلّ النّفط في تونس من عام 1931)
|
الوطن القبلي |
حقل المعْمورة |
|
49% من الأسهم بعنوان المساهمة المباشرة –المصدر آني- |
شركة آني الإيطاليّة
(وهي تستغلّ النّفط في تونس من عام 1931)
|
الوطن القبلي |
حقل البركة |
|
49% من الأسهم بعنوان المساهمة المباشرة –المصدر آني- |
شركة بتروفاك البريطانيّة |
أرخبيل قرقنة – خليج قابس (ولاية صفاقس) |
حقل الشّرقي |
اجماليّ انتاج الحقول العشر يغطّي 13 % من الحاجّيّات التّونسيّة من مادّة الغاز، أي ما يعادل 16,740 برميل يوميًّا –المصدر: بيتروفاك- |
45% من الأسهم بعنوان المساهمة المباشرة –المصدر بيتروفاك- |
شركة أو أم في النّمساويّة |
ولاية صفاقس |
حقل عشتارت |
اجماليّ انتاج الحقول 21 في سنة 2013: ما يعادل 5629 برميل يوميًّا –المصدر: الشّركة التّونسيّة للأنشطة البتروليّة- |
50% من الأسهم بعنوان المساهمة المباشرة –المصدر: أو أم في- |
شركة أو أم في النّمساويّة |
ولاية تطاوين |
حقل شروق |
|
|
شركة أو أم في النّمساويّة |
ولاية تطاوين
(بالاشتراك مع شركة آني الإيطاليّة)
|
حقل الآدم |
|
|
*
بي آي ريسورس السّويديّة |
خليج قابس
|
حقل علّيسة |
|
الشّركة تمتلك ستّ إجازات استغلال محروقات في تونس لمخزون قدّر بـ 31.8 مليون برميل |
بي آي ريسورس السّويديّة |
خليج قابس
|
حقل ديدون |
|
|
شركة دو أل أكس التّونسيّة-الكنديّة |
ولاية القيروان |
حقل بوحجلة |
|
|
شركة برايم أويل |
ولاية الكاف |
ستّ حقول نفط في الكاف |
|
50% من الأسهم بعنوان المساهمة المباشرة –المصدر: أو أم في- |
دجونت أويل |
منطقة الجرف القارّي بين تونس وليبيا |
|
|
45% من الأسهم بعنوان المساهمة المباشرة –المصدر: الشّركة التّونسيّة للأنشطة البتروليّة- |
5 - مؤّيدات ظاهرة الفساد في قطاع النّفط:
إنّ الأرقام الرّسميّة لا تقرّ إلاّ بإنتاج 55 ألف برميل يوميًّا –وقد تقهقرت الدّعاية الحكوميّة بإجماليّ الإنتاج من النفط التّونسيّ إلى حدود الأربعين ألف برميل يوميًّا في سنة 2016- في حين أنّ الأرقام الرّسميّة كانت تقرّ بإنتاج 110 ألف برميل يوميًّا في سنة 2010.
ومع هذا كلّه، فإنّ الدّولة التّونسيّة تدّعي أنّ البلاد تشكو من عجز في الطّاقة، وأنّ قيمة هذا العجز لا تقلّ عن 11% من الميزانيّة العامّة، أي ما يناهز الأربعة آلاف مليون دينار بالنّسبة لسنة 2018، صُرفت بعنوان دعم الدّولة للموادّ البتروليّة. وفي المقابل، فإنّ عائدات الخزينة العامّة من الشّركات المنتجة للمحروقات –وهي بصفة شبه كلّيّة أجنبيّة- تراجعت من ثلاث آلاف دينار في سنتي 2009 و2010 إلى مليار دينار سنة 2017.
وممّا يحير حقًّا حيرة المحلّلين أنّ الجهات الرّسميّة لا تقدّم أجوبة مقنعة عن هذا التّراجع. وإن فعلت، فإنّ الأرقام التي تقدّمها لتبرير هذه الانتكاسة عادة ما تكون متضاربة مع الأرقام التي تقدّمها الشّركات الأجنبيّة المنتجة للموادّ البتروليّة في بلادنا. بل أنّ وزارة الصّناعة إلى يوم النّاس هذا لم تقدّم أيّ رقم تفصيليّ حول إنتاج حقول النّفط والغاز في بلادنا، وإنّما استقينا بعض الأرقام من تقارير الشّركات البتروليّة المنتصبة في بلادنا. والأخطر من كلّ هذا أنّ النّصوص القانونيّة والتّرتيبيّة ذات الصّلة التي تتقدّم بها وزارة الصّناعة لمجلس نوّاب الشّعب قصد المصادقة عليها لا تتضمّن أيّ معطيات إنتاج مرقّمَة… ونوّابنا لا ينزعجون من هذا "السّهو" البتّة البتّة.
الوثائق الرّسميّة المثبتة لحجم الفساد المالي في قطاع النّفط:
- لجنة عبد الفتّاح عمر لتقصّي الحقائق في الرّشوة والفساد قد أحالت منذ 2012 63 ملفّ فساد مالي في قطاع النّفط على أنظار وزارة الصّناعة. وإلى حدّ هذا اليوم لم يصدر أيّ قرار بالإدانة في ما يخصّ هذه الملفّات. بل أنّ الوزارة المذكورة لم تحل أيًّا من هذه الملفّات على أنظار القضاء.
- تقرير دائرة المحاسبات عدد 27 الذي خصّص 40 صفحة لكشف عمليّات الفساد في قطاع النّفط، وقد تضمّن إدانة لمعظم الشّركات النّاشطة في مجال النّفط. وقد ركّز التّقرير خاصّة على:
• تجاوزات على مستوى تنفيذ العقود
• ما لا يقلّ عن نسبة خمسين في المائة من الحقول النّفطيّة تفتقر إلى عدّادات لاحتساب كمّيّة النّفط المُستخرجَة منها.
• مخالفات متّصلة بحرق الغاز الطّبيعي…
• تجاوزات على مستوى تجديد الدّولة التّونسيّة لعقود الشّركات الأجنبيّة في استغلال الحقول النّفطيّة خارج كلّ الأطر القانونيّ وبما يتعارض والمصلحة الوطنيّة.
الخاتمة:
إنّنا لا ندّعي، من خلال هذه العجالة، كشف المستور وإبراز المقبور، فالمسألة، بالنّظر إلى خطورتها، تستدعي أكثر من مجرّد مقالة صحفيّة، هزيلة الكمّ والكيف. بل أنّ ما قصدنا إليه هو مجرّد التّنويه بمشروعيّة التّساؤل عن حقوق مواطنيّة لم يكن جهاز الدّولة أمينا في إيصالها إلى أصحابها. فالمصالح الفرديّة والفئويّة والأجنبيّة فعلت فعلها في حرمان هذا الشّعب من التمتّع بكلّ مستحقّاته المتأيّة من الثّروات الطّبيعيّة التي يزخر بها هذا البلد الأمين. وإلاّ فكيف يُعْقل أن نكونفي وضع وسط بين جارين حباهما الله بثروات طبيعيّة تكاد ألاّ تنبض، ونكون نحن في حالة فاقة وخصاصة، لا نكاد نتقوّم على زيت المصباح ؟