فساد الدّولة المنذر بخرابها: 3 – اغتيالات سياسيّة تنصّلت دولة ما بعد الثّورة من مسؤوليّتها

Photo

لئن كان من نافلة القول إنّه ما من دولة إلاّ وتشوّه تاريخها باغتيالات سياسيّة متعدّدة الأشكال والذّرائع. وكذا هو الشّأن بالنّسبة للدّولة التّونسيّة من بداياتها التّأسيسيّة، أي المرحلة القرطاجنيّة، إلى دولة ما بعد الاستقلال، مرورًا بالدّولة الاسلاميّة، فإنّ ما هو خليق بالملاحظة حقًّا تنصّل دولة ما بعد الثّورة الآلي من كلّ مسؤوليّة إزاء الجرائم المُرتَكبة في حقّ مواطنيها وعلى ترابها من قبَل أجهزة خارجيّة -في أغلب الأوقات-. بل الأخطر من ذلك أن تسارع مؤسّسات الدّولة إلى رفع كلّ صبغة إجراميّة عن هذه الاغتيالات، سواء لتورّطها فيها بشكل أو بآخر أو بفعل خيارات سياسيّة لا وطنيّة... ومفلسة في نهاية المطاف.

إنّنا لن نقف بمناسبة هذا التّقرير على كلّ الاغتيالات السّياسيّة التي اقترفت منذ 17 ديسمبر 2017، ففضلاً عن كون عدد الضّحايا يفوق إمكانيّة الإحصاء –بدْءً بشهداء الثّورة وانتهاءً بضحايا الإرهاب-، فليس ذاك هو موضوع مبحثنا، وإنّما سنكتفي بإحصاء الاغتيالات التي رفعت عنها أجهزة الدّولة الصّبغة الإجراميّة، وهي جريمة أخطر من جريمة القتل ذاتها، باعتبار أنّنا إزاء ظلم أشنع من ظلم إزهاق الأرّواح البشريّة بدون وجه حقّ، فالجرم هاهنا لا ينحصر في لحظة زمنيّة بعينها بل أنّ مداه، إذا ما ظلّ من قبيل المسكوت عنه، سيمتدّ على طول التّاريخ.

ولمّا كانت إمكانيّات تقصّينا لحقيقة الجرائم المقترفة جدّ محدودة، فإنّنا سنكتفي بإحصاء بعض المؤشّرات والقرائن العاضدة لشبهة جريمة الدّولة، تاركين لأهل الاختصاص مهمّة البناء على هذه اللّبنات الأولى.

كما أنّنا آثرنا تقديم مادّة بحثنا في شكل جذاذات متضمّنة لعناوين ورؤوس أقلام حتّى لا تتلاشى المعطيات الخامّة في خضمّ التّحاليل المستفيضة والصّيغ الأدبيّة والخطابيّة العصماء.

وهاكم جدول بما تسنّى لنا إحصاؤه من جرائم دولة ما بعد الثّورة، سواء أ كانت أجهزتها هي الفاعل الأصليّ أو بصفتها شريكة في الفعل الإجراميّ -كونها تستّرت عن الجريمة مدّعية أنّ الوفاة كانت لأسباب طبيعيّة-:

1 - اسم ولقب الضّحيّة: عبد الفتّاح عمر

*الصّفة في علاقة مع جريمة القتل: رئيس اللّجنة الوطنيّة لتقصّي الحقائق حول الفساد والرّشوة في تونس.
*تاريخ ميلاده: 4 مارس 1943
*تاريخ الوفاة: 2 جانفي 2012
*مكان الوفاة: تونس

الطبيب الذي شرّح وأعدّ تقرير التّشريح: الدّكتور خالد بشير. من نشطاء الهياكل التّجمّعيّة في المنستير سابقًا.

الطبيب الذي أشرف على التّشريح: رئيس قسم الطبّ الشّرعي بالمنستير الدّكتور علي الشّاذلي -قد حقّق معه في بداية الثورة للتواطئ في تقارير التّشريح في عهد بن علي وأطلق سراحه. وهو ابن أخ عمر الشادلي طبيب بورقيبة. وهو اليوم رئيس لجنة تنظيم إحياء ذكرى وفاة الحبيب بورقيبة .

*سبب الوفاة المُعْلَن: سكتة قلبيّة
*سبب الوفاة الحقيقيّ: تسمّم

القرائن العاضدة لشبهة الاغتيال: لم يكن المتوفّى يدخّن ولا يستهلك الموادّ الكحوليّة، وكان بصدد ممارسة الرّياضة قبيل وفاته .

الجهة المشكّكة في الرّواية الرّسميّة: المحامية ليلى بن دبّة – أصدقاؤه وزملاؤه.

أسباب الاغتيال المُحْتَمَلة: اعتبارًا إلى تقدّم اللّجنة التي يترأسّها في أعمالها، تعرّض القتيل في الفترة الأخيرة من حياته إلى حملة ثلب وتشويه كما تعرّض إلى ضغوط نفسيّة كبيرة.

2 - اسم ولقب الضّحيّة: طارق المكيّ

*الصّفة في علاقة مع جريمة القتل: من أبرز معارضي نظام بن علي ورئيس حركة الجمهوريّة الثّانية.
*تاريخ ميلاده: 27 جوان 1958
*تاريخ الوفاة: 31 ديسمبر 2012
*مكان الوفاة: الحمّامات

الطبيب الذي شرّح وأعدّ تقرير التّشريح: الدّكتور خالد بشير. من نشطاء الهياكل التّجمّعيّة في المنستير سابقًا.

الطبيب الذي أشرف على التّشريح: رئيس قسم الطبّ الشّرعي بالمنستير الدّكتور علي الشّاذلي -قد حقّق معه في بداية الثورة للتواطئ في تقارير التّشريح في عهد بن علي وأطلق سراحه. وهو ابن أخ عمر الشادلي طبيب بورقيبة. وهو اليوم رئيس لجنة تنظيم إحياء ذكرى وفاة الحبيب بورقيبة .

سبب الوفاة المُعْلَن: سكتة قلبيّة

سبب الوفاة الحقيقيّ: أفاد شاهد عيان لأحداث ليلة الوفاة أنّ الضّحيّة لم يدَخّن ولم يتناول مشروبات كحوليّة، ممّا يرجّح احتمال التّسمّم.

القرائن العاضدة لشبهة الاغتيال: في حين أكّدت الجهات الطبّيّة أنّ الأزمة القلبيّة التي أدّت إلى وفاته مردّها الاسراف في تناول الكحول اتّضح أنّ المتوفّى لم يكن يدخّن ولا يتناول موادّ كحوليّة. لم يشك حسب شهادة مَن كان معه لحظة احتضاره من آلام صدريّة أو ما شابه، بل من صعوبة في التّنفّس فقط، وأعراض الأزمة القلبيّة لا تقتصر على مثل تلك الصّعوبات.

الجهة المشكّكة في الرّواية الرّسميّة: المحامية ليلى بن دبّة - صديقته

أسباب الاغتيال المُحْتَمَلة: قام بتسجيل شريط فيديو يتضمّن معلومات خطيرة، كان من المفترض أن يبثّه بعد يومين من تاريخ وفاته.

3 - اسم ولقب الضّحيّة: فوزي بن مراد

*الصّفة في علاقة مع جريمة القتل: محام، رئيس لجنة الدفاع عن الشّهيد شكري بلعيد.
*تاريخ ميلاده: سنة 1964
*تاريخ الوفاة: 6 أفريل 2013
*مكان الوفاة: نابل

الطبيب الذي شرّح وأعدّ تقرير التّشريح: الدّكتور خالد بشير. من نشطاء الهياكل التّجمّعيّة في المنستير سابقًا.

الطبيب الذي أشرف على التّشريح: رئيس قسم الطبّ الشّرعي بالمنستير الدّكتور علي الشّاذلي -قد حقّق معه في بداية الثورة للتواطئ في تقارير التّشريح في عهد بن علي وأطلق سراحه. وهو ابن أخ عمر الشادلي طبيب بورقيبة. وهو اليوم رئيس لجنة تنظيم إحياء ذكرى وفاة الحبيب بورقيبة .

سبب الوفاة المُعْلَن: سكتة قلبيّة

سبب الوفاة الحقيقيّ: تسمّم

القرائن العاضدة لشبهة الاغتيال: المماطلة في إصدار تقرير الطبّ الشّرعي – الإهمال في إسعافه - تقيّأ الفقيد دما، وهذا ليس من أعراض الإصابة بأزمة قلبية.

الجهة المشكّكة في الرّواية الرّسميّة: عائلة الفقيد –

أسباب الاغتيال المُحْتَمَلة: كان يتأهّب للكشف عن حقائق خطيرة حول اغتيال الشّهيد بلعيد.

4 - اسم ولقب الضّحيّة: لطفي نقّض

*الصّفة في علاقة مع جريمة القتل: المنسّق العامّ لحزب حركة نداء تونس
*تاريخ ميلاده: سنة 1965
*تاريخ الوفاة: 03 جانفي 2014
*مكان الوفاة: تطاوين

سبب الوفاة المُعْلَن: سكتة قلبيّة

الطّبيب الشّرعي الذي أعلن عن سبب الوفاة الأوّل: الدّكتور سمير معتوق -رئيس قسم الطبّ الشّرعي بمستشفى. تمّ إيقافه يوم الأحد 18 جويلية 2017 إثرها فتح بحث تحقيقي في شبكة مختصّة في افتعال حوادث مرور وهميّة واستخراج وثائق رسمية مُفْتَعَلَة لتحديد نسبة الضّرر.

الطّبيب الشّرعي الذي نفى سبب الوفاة الأوّل: مجمع من الأطباء بالمستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة بصفاقس .الحبيب بورقيبة بصفاقس-.

سبب الوفاة الحقيقيّ: السّحل والتّعنيف.

القرائن العاضدة لشبهة الاغتيال: تقرير الطبّ الشّرعي الثّاني – صور السّحل – شهادات لشهود عيان…

الجهة المشكّكة في الرّواية الرّسميّة: عائلة الفقيد – حزي نداء تونس - منظّمة "أطباء ضدّ الفساد" …

أسباب الاغتيال المُحْتَمَلة: تمّ في نوفمبر إيقاف 8 أشخاص على ذمّة التحقيق في قضيته.

أعدّ حزب حركة نداء تونس ملف شكوى للمحكمة الجنائية الدولية ضدّ علي العريض وزير الداخلية والقيادي في حركة النهضة، وراشد الغنوشي رئيس الحركة، ومحمد عبّو أمين عام حزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة شريك النّهضة في الائتلاف الحاكم، ومحمد معالج رئيس الرابطة الوطنية لحماية الثورة. وقد أطلق سراح الموقوفين في قضية وفاته يوم 03 جانفي 2014 حيث اثبتت محكمة التعقيب في تونس أن وفاته كانت إثر نوبة قلبية.

5 - اسم ولقب الضّحيّة: محمّد علّوش

*الصّفة في علاقة مع جريمة القتل: نائب مستقلّ في المجلس الوطني التأسيسي ومقرر مساعد ثان في لجنة الطاقة والقطاعات الإنتاجية
*تاريخ ميلاده: 19 جوان 1953
*تاريخ الوفاة: 22 جانفي 2014
*مكان الوفاة: تونس

سبب الوفاة المُعْلَن: سكتة قلبيّة

الطّبيب الذي أعلن رسميًّا سبب الوفاة:

القرائن العاضدة لشبهة الاغتيال: تدخّل من رئيس حزب "الخيار الثّالث"، السيّد صالح شعيب، الذي كان المتوفّى أمينه العامّ، ليعلن أنّ سبب الوفاة هي سكتة قلبيّة، علمًا بأنّ الفقيد قد توفّي في منتصف اللّيل في بيته، بحيث أنّ السيّد شعيب لم يكن شاهد عيان لوفاته ولا حتّى على علم بحيثّياتها. فضلاً عن كون آخر حديث دار بينهما لا يوحي بكون المتوفّى كان يشكو من أيّة أعراض مرضيّة.

الجهة المشكّكة في الرّواية الرّسميّة: صحافيّون ومحلّلون سياسيّون .

سبب الوفاة الحقيقيّ: غير معلوم.

أسباب الاغتيال المُحْتَمَلة: هو أحد أشدّ المتبنّين لقضيّة جلاء ثرواتنا الطّبيعيّة المنهوبة منذ عقود وبحكم إشرافه على لجنة الطّاقة والقطاعات. وكان مدافعا شرسا على تعديل الفصل 12 من الدستور الخاص بصفقات وعقود الثّروات وإضافة عبارة "و تُنشر وجوبًا".

6 - اسم ولقب الضّحيّة: سليم شاكر

*الصّفة في علاقة مع جريمة القتل: وزير الصحّة في حكومة يوسف الشّاهد.
*تاريخ ميلاده: 24 أوت 1961
*تاريخ الوفاة: 8 أكتوبر 2017
*مكان الوفاة: نابل

سبب الوفاة المُعْلَن: سكتة قلبيّة

الطّبيب الذي أعلن رسميًّا سبب الوفاة: الدّكتور ذاكر لهيذب –طبيب بالمستشفى العسكري-. ولم يكتف الطّبيب بالقول إنّ ظروف نقل الوزير من مستشفى قرمبالية إلى المستشفى العسكري قد "تمّت في ظروف جيّدة، وهو لم يواكب عمليّة النّقل المذكورة، بل أنّه ذهب إلى حدّ القول بأنّ "سباق نوران الذي حضره الوزير قبل وفاته كان منظّمًا تنظيمًا جيّدًا"، والحال أنّ اختصاصه الطبّي لا يجيز له الإدلاء بمثل هذا التّصريح.

القرائن العاضدة لشبهة الاغتيال: لم يفقد وعيه خلافًا لكلّ مصاب بنوبة قلبيّة، لا أن يدخل المستشفى مشيا على الأقدام وفي كامل قواه العقلية..ومثلما ذكر سائقه الخاص كان يمرح حتى وهو يدخل مستشفى قرمبالية..

الجهة المشكّكة في الرّواية الرّسميّة: أسامة محمّد –مستشار سابق بوزارة الصحّة-

سبب الوفاة الحقيقيّ: تسمّم بمادّة وُضعت في قارورة ماء شرب منها الرّحيل قُبيل وفاته.

أسباب الاغتيال المُحْتَمَلة: كان يحقّق في ملفّات فساد ماليّ وطبّيّ في المصحّات الخاصّة.

وبعد، ما الذي يسع المرء أن يقوله سوى: "تغمّد اللّه –سبحانه- هؤلاء الشّهداء برحمته الواسعة وأسكنهم فراديس جنانه وألهم ذويهم جميل الصّبر والسّلوان"؟ وليتذكّر جميعنا أنّه: "ما ضاع حقّ وراءه طالب"… فلنثبت على المطالبة بكشف الحقيقة كاملة عن هذه الاغتيالات، وأنّ غدًا لِناظره لَقريب.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات