مَرَّة أخرى يهبّ السّبسي لإنقاذ النَّهضَة في الوقت بدل الضّائع... لأسْباب محْجوبَة عن التّونسيّين

Photo

"فلان قسم لي ظهْري"، ما ألْصق هذا المجاز بما أشعر به الآن وهنا من رأسي إلى أخْمص قدميّ. فإذا ما جاز لي أن أعبّر عن حالي الرّاهنة بلغتنا الدّارجة العزيزة، لقلتها بأعْلى صوْتي: "دقْدقْني... هسْهسْني... دمَّرْني... شقشقني... وهرّسني...". من يكون؟ ليس هو الحبّ باعْتبار أنّني قد أدركتُ في هذا السجلّ سنّ الميْؤوس منه، بل رئيس دوْلتنا المُفَدّى.

وصورة الحال على ما أصف لكم:

كنْتُ أتأهّب لكتابة مقالة جديدة آثرْت أن أعنونها: "الردّ الأسعدي على مناشدة أبي يعرب الغنّوشي لرئيس الدّولة"، ومَرَشَّحة للنّشر على أعْمدة هذه الصّحيفة المُحْتَرَمة (وقع انتقاء هذا النّعت خصّيصًا لمَن يصرّ على اسْتعْمال عبارات نابئة في حقّ شخْصي، المتواضع أي نعم ولكن ليس لحدّ قبول الشّتيمة بصدر رحب).

وكان في الحسْبان أن أتناول بالنّقاش المقالة التي نشرها زميلي المُفْتَرَض (باعْتبار اخْتصاصنا المُشْتَرك في الفلسفة الإسْلاميّة)، وقد وسمها بـ"الكلمة العاجلة إلى الرّئيس الباجي قائد السّبسي"، فأبيّن أنّ ما يمكن أن يفْهم من قول الدّكتور المرزوقي من كونه مناشدة لرئيس الدّولة هو في حقيقة الأمر تهديد مُبَطَّن من المرسِل الحقيقيّ لهذه الرّسالة المُشَفَّرة، أعني مُرْشد –أو إمام كما يحلو لهم تسْميته- تنْظيم الإخوان المسلمين-جزء إفريقيّة للباجي قائد السّبسي في صورة إقدامه على تعْيين السيّد لطفي براهم مُسْتشارًا للشّؤون الأمنيّة تحت مُسمّى أعمّ، القصْد منه مغالطة الرّأي العامّ بتعْويم القضيّة تحت غطاء نصيحة المؤمن لأخيه المؤمن، والنّصح من الإيمان ولعلّه ضمانة أساسيّة للفوْز بنعيم الفردوس، في توخّي الحيطة والحذر في اختيار مسْتشاريه… وإلاّ المُضْمَر تقديرها الطّوفان والطامّة الكبرى اللّذان حلاّ بالأمم الضّالّة.

وما أن سارع مستشارو رئيس الدّولة بإبلاغه بمضمون الرّسالة حتّى استقْبل في اليوم ذاته، وفي توقيت غير معْهود -السّابعة مساءًا من يوم 07 أوت 2018- مرشد التّنظيم الإخواني بتونس. أمّا عن البيان الذي صدر بإثر اللّقاء المذْكور، فأهمّ ما تضمّنه موجَّه تدقيقًا لقيادات وحرس جماعة "الأمر بالمعْروف والنّهْي عن المُنْكَر". ذلك أنّ ما تضمَّنه هذا البلاغ لم يأت بجديد يُذْكَر إلاّ بإيراده لأوّل مرّة موضوع تقرير لجنة المساواة والحرّيات الفرديّة باعتباره مسألة نظر مطروحة على جدول أعمال لقاءات الرّجليْن،

فالمسائل الأخرى المذْكورَة في البيان هي من المواضيع المتداولة بين الشّيْخيْن منذ أميد بعيد. بحيث أنّ مضمون الرّسالة هو أنّه تمّ الحسْم في ملفّ هذا التّقْرير، وأنّ يوم 13 أوت 2018 لن يكون يوم الإعلان عن إجراءات ثوْريّة خاصّة بالمسائل التي طرحها التّقرير المَذْكور. وبالمُقابل، فإنّ التّنظيم الإخواني سيقلع عن مساندته لرئيس الحكومة فاتحًا السّبيل أمام تشْكيل حكومة جديدة قبل الانْتخابات التّشريعيّة والرّئاسيّة (التي لن تقع –دون شكّ- في موْعدها المُحدَّد دسْتوريًّا).

والحقيقة أنّ هذا الاتّفاق المزعوم عملته عبارة عن نقود قِرَدَة كما يقول الإفْرنْج، أو "فَالْصُو" بلهْجتنا العامّيّة. والسّبب في ذلك أنّ لا رئيس الدّولة كان بإمكانه الإعلان عن أيّ إجْراء ثوريّ لفائدة، كما يحْلو للبعْض اعْتقاده، للمَرْأة والرّجل والأقلّيّات الجنْسيّة، فليْس ثمّة أغلبيّة شعْبيّة مساندة لـ"الإصلاحات" المُقْتَرَحة من اللَّجْنة، كما أقرّت ضمْنيًّا بذلك رئيسة اللّجنة، السيّدة بُشْرى بلحاج حميدة، ذاتها برفضها مسانذة فكرة طرح هذا التّقرير على اسْتفْتاء شعْبيّ بالموافقة أو الرّفض مُعْتبَرَة أنّ الشّعب التّونسي غير مهيّئ بعد لممارسة الدّيمقراطيّة في مثل هذه المسائل (!).

ولا التّنظيم الإخْواني بإمكانه المضيّ قُدُمًا في مساندة رئيس الحكومة ضدّ إرادة كلّ الأحزاب الأخرى، بما فيها حزبه الأغلبيّ –نظريًّا على الأقلّ-، ولكن خاصّة ضدّ إرادة رئيس الدّولة الذي يمكنه دستوريّا في جانب، وبتواطئ من الأحْزاب الأخْرى والمنظّمات في جانب آخر، تعْطيل إجْراء الانْتخابات التّشْريعيّة والرّئاسيّة إلى أجل غير مُسَمّى.

وبالمُحصّلة، فإنّ المُسْتَفيد الأوْحدْ من هذه الصّفقة -التي دُبِّرت مرّة أخْرى بليْل- إنّما هو التّنظيم الإخوانيّ بتونس. ومرّة أخرة يُقْدم الباجي قائد السّبسي على إنقاذ هذا التّنظيم من قَدَره التّاريخيّ وحُكْم الشّعْب عليه… لأسباب لا يعْلمها إلاّ هو.

ومرَّة أخْرى لن يدْفع هذا التّنظيم الاّسياسيّ ثمن أخطائه، حتّى السّياسيّة منها (كأن يراهن بقَصْد التّموْقع السّياسي على الفريق الفاشل بطبْعه)، فضْلاً عن عدم قابيليّته للمحاسبة على أعماله الواقعة تحت طائلة القانون… وكلّ ذلك بفضْل الباجي قائد السّبسي. أمّا عن سبب تحرّكه في هذا الاتّجاه ضدّ منطق التّاريخ ومصْلحة البلاد والعباد، فهذا ما نرْجو أن يجيب الشّعْب التّونسيّ عنه… قبل فوات الأوان.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات