التلفاز جهاز فاشي. المشكلة ليست في محتواه. حتى لو أجبرت الناس على مشاهدة الغزالي وابن رشد لمدة سنة متواصلة حول أنه حضارتهم لازم تستند إلى البرهان أو العرفان، فأنه ستمارس عليهم سلطة فاشية وستنتج حشود منمطة ما تقدرش تفكر بنفسها وتنتج رأي عبر النقاش مع بعضها البعض. المشكلة في شكل الوسيط في ذاته، موش في الرسالة أَو المحتوى الي يمرروا.
هذا الي فهموه ناس كيما ريجيس دوبري وماكلوهان وبودريار، أهم من كتب حول الوسائط البشرية وتاريخها. الوسيط هو نفسه الرسالة. الوسيط الي يخلي مجموعة من الناس تحتكر القدرة على إنتاج الرسالة، وأنت تتفرج فيهم وما تنجمش تناقشهم. تنجم تقلي عندك القدرة تبدل القناة وإلا تحتج وإلا تكتب في نقدهم. صحيح. لكن، في الحالة هذه، باش تلقى نفسك ضمن نفس الشروط الجذرية. هم يعطيوك رسالتهم وأنت تتقبلها. هم باث وأنت متلقي. يعني علاقة السلطة هي هي.
بلغة أخرى، كأنك مدمن حشيش، أما لحامك ما عجبكش. سلعته موش باهية. تحتج عليه، وإلا تبدله، كيف كيف. تبقى أنت زبون وهو لحام. والسياق الي تعيش فيه يمنعك أنك تزرع حشيشتك وحدك. والأدهى والأمر، حتى كان تبطل الحشيش، تلقى الأغلبية تتكيف، ولازمك تستنشق معاهم. تقاطع التلفزة، داركم يتفرجوا فيها، أصحابكم يحكيو عليها، فايسبوكك كله ستاتوات تمدح وتذم فيها. يعني وضعية نوعا ما تشبه لما يحكي عليه جون بودريار، أنه السلطة ولات معيشتنا في ثقب أسود، كل ما تجي تخرج منه، تلقى روحك فيه. كأنك وسط متاهة، في بالك فمة باب يخرج منها، أما الحقيقة ما فماش متاهة أصلا باش يكون لها باب.
هذا علاش في المجتمعات الحرة والمساواتية بالحق، إلي نسميوها نحن بدائية، كانت الناس تعيش في زمر صغيرة. يتلموا يحكيو مع بعضهم في كل شيء، وحد ما يحتكر فيهم القرار، وما يقعدوش يتفرجوا في جماعة منهم يحكيو وهم يا إما يوافقوا وإلا يحتجوا، وما ينتخبوش ناس تمثلهم. بالطبع، كيما يفسرولنا مارشال سالينز وبيار كلاستر وبراين هايدي، وغيرهم من الضاربين متاع الأنثروبولوجيا، المجتمعات هذه عرفت إنقسام في مرحلة من تاريخها، وظهروا فيها عباد يدعيو قدرة خارقة على التواصل مع الآلهة، من خلال وسيط معين، وهو الأحلام والرؤى، أو نوع من الوحي.
الناس هذم هم الي نسميوهم الكهنة، إلي بالشوية بالشوية بداو يتمايزوا بقدرتهم الخارقة على بقية المجتمع، إلي هو ولى يجيهم باش يقولولوا الآلهة شنوة تحب منا وشنوة لازمنا نعملوا. وهكاكة ملكوا مفاتيح المجتمع، وأصبحت سلطة الكاهن البدائي أصل الإنقسام الأولي في المجتمع البشري، من خلال وساطته بين الآلهة، أَو السلطات العليا، والمجتمع.
كيفنا نحن بالضبط، وقت الي نتفرجوا في التلفزة، نستناوها باش تقول لنا شنوة واقعنا، شنوة الي فيه وما فيهش، وشنوة لازمنا نعملوا وما نعملوش. هي وسيط بيننا وبين سلطاتنا العليا. وحتى الناس الي ماهمش راضين عن التلفزة، أغلبهم مشكلتهم موش العلاقة الفاشية وغير المساواتية الي تحطنا فيها التلفزة، مشكلتهم يحبوا تولي التلفزة تبث المحتوى الي هم يحبوا عليه، أي أنه ياخذوا بلاصة السلطة الي تبث من خلال التلفزة. هذا علاش بودريار قال أكبر غلطة عملناها في ماي 1968، وقت الي في بالنا كيف نسيطروا عالراديو والتلفزة باش نعديو رسالة تحررية، ياخي ولينا فاشيين كما السلطة الي حبينا نقلبوها.
أما الخطاب التحرري الحقيقي، أي الي فيه علاقة تفاعل بين ذوات متعددة موش باث ومتقبل، فتشكلت في المظاهرات والنقاشات في الساحات العامة. ممكن لهذا السبب، سكرت حكومة الباجي الأولى أبواب القصبة وفسخت الغرافيتي من الحيوط. ولهذا السبب المظاهرات في تونس، من الي ولات تتعدى في التلفزة ويناقشوا فيها، فقدت قدرتها التغييرية الحقيقية. لأنه المتظاهرين ولاو كأنهم يستجديو في السلطات العليا باش تعطيهم الماء والشغل والحق في الحياة، عوض أنهم يشكلوا من خلال تفاعلهم واجتماعهم شروط حياتهم بأنفسهم.
ومشهد المتظاهرين هذا الحقيقة، ما يفرقش برشة على مشهد قبيلة بدائية في طقس استسقاء يستجديو في الآلهة تعطيهم المطر. أي، في الحالتين، نحن قدام بشر ما يرواش قدرة تأسيس الحياة وشروطها (الماء والشغل وغيرها) موجودة في تفاعلهم وروابطهم وحركتهم الجماعية، إنما موكولة لسلطات عليا (الآلهة أو الدولة) الي تمن بها عليهم. الحاصل، kill your television، بالك تحس روحك خير.