يحتاج كل نظام سياسي إلى قاعدة اجتماعية مكونة من تحالفات طبقية ومصلحية وجهوية وإيديولوجية، وخاصة إلى مؤسسة تلعب دور المنسق لهذه التحالفات، ومحشد للقاعدة الاجتماعية التي تنبع عن تلك التحالفات.
في مصر، أين يفتقد نظام السيسي لحزب سياسي حاكم بالمعنى التقليدي، تلعب المؤسسة العسكرية دور الوسيط والمحشد والمنسق السياسي. في تونس تحت حكم قيس سعيد، من سيلعب هذا الدور على المدى الطويل؟
هذا هو محور الصراع اليوم داخل معسكر الرئيس بين مجموعتين: من جهة، نجد مجموعة الرئيس، حاملة المشروع الديمقراطي القاعدي، والمكونة من رفاقه ورفقته الأولى منذ سنة 2011، ومن التقى معها من مجموعات اليسار السيادي والقومي ضمن ائتلاف لينتصر الشعب.
من جهة أخرى، نجد مجموعة هجينة من ناشطي التجمع قديما، ونداء تونس، والمستقلين المرتبطين بمصالح جهوية ومحلية متصلة وثيقا بمنظومة ما قبل الثورة، وتمكنت من التواصل في ظل منظومة التوافق.
من يتظاهر اليوم في شارع الحبيب بورقيبة، هي المجموعة الثانية. وهي بصدد افتكاك الرئيس ومشروعه ورمزيته، واستملاكهم ضمن إطار سلطوي رث.
كانت تحالفات البرلمان، وتقلب رئيسه بودربالة من صف لينتصر الشعب إلى صف "كتلة التجمع"، مؤشرا كاشفا عن هذا الصراع.
في نهاية المطاف، لا يوجد نظام سياسي دون وسائط. بل لا يوجد اجتماع بشري دون وسائط. وقدرة البشر التي تميزه عن الحيوان، بوصفه كائنا اجتماعيا، هي عينها قدرته المستمرة على ابتداع الوسائط. أما في مجال السياسة، أي مجال صراعات القوة، فالأكثر قدرة على التنظم والتحشيد والتنسيق، هو الأكثر قدرة على فرض وسائطه. وفي النهاية، ألا تتحدد طبيعة كل نظام سياسي انطلاقا من طبيعة وسائطه؟