من يريد النظر من منظور أوسع للحالة الراهنة المتعلقة ب"غياب الرئيس"، يمكنه الخروج ببعض الإستنتاجات المهمة عن وضعية مجتمعنا السياسية. وهي استنتاجات قد تتجاوز الرهانات الظرفية، ومصائر التنظيمات، والشخصيات السياسية. بل هي أعطاب هيكلية في حقلنا السياسي وثقافتنا ومؤسساتنا السياسية تحول بيننا وبين أي انتقال مأمول نحو حالة ديمقراطية متوازنة ومستقرة:
- نحن مجتمع يعاني من فقر إعلامي، وعجز إعلامي، وتضليل إعلامي ممنهج، على قول الدكتور الصادق الحمامي. هذا الأمر يتجاوز الرئيس الذي يبني إستراتيجيته السياسية على التضليل الإعلامي وهدم الوسائط السياسية، ليشمل المؤسسات الإعلامية الوطنية، بل وغالبية الفاعلين السياسيين المؤثرين.
- مازالت السلطات غير المنتخبة، أو ما يسمى في الخطاب العام بالمؤسسات الصلبة، مستبطنة لنمط حكم إستبدادي قوامه الولاء والطاعة للزعيم-الفرد. لا يمكن أن ينجح أي بناء ديمقراطي في دولة تمانع سلطاتها غير المنتخبة في الدخول إلى الديمقراطية، بل تعتبرها أصلا خطرا على وجودها وتماسكها.
- للأسف، عادت التنظيمات المدنية إلى حالة الصفر. أي حالة إنعدام القدرة على التأثير الفاعل في توازنات السلطة وعلاقاتها واتجهاتها من خلال حشد الناس وتوجيههم والتأثير فيهم. حاليا، لا تقدر التنظيمات المدنية سوى على المقاومة بهدف البقاء، أو المناورة بهدف تحصيل بعض المواقع، أو الإنحناء أمام العاصفة.
- في ظل عجز التنظيمات المدنية، وقوى المجتمع التي من المفترض أن تنتظم في مجتمع مدني للدفاع عن نفسها والدفاع عن خياراتها، تبقى توازنات السلطة وخيارات البلاد الكبرى معلقة بالزعيم الفرد وزمرته من القلة المصطفاة والسلطات غير المنتخبة. وفي غيبة الزعيم الفرد، يحال الأمر بالكامل إلى السلطات غير المنتخبة.