لا يحلو للرئيس ان يتحدث عن الانتخابات الرئاسية إلا أمام ضريح الزعيم بورقيبة في ذكرى وفاته السنوية، وهذا ما يستدعي منا انتباها خاصا:
أولا : من ناحية المضمون:
الرئيس مصر على التصريح بأخطر المواقف السياسية في غير سياقها الطبيعي، إذ صرح في روضة آل بورقيبة سنة 2023 بأنه لن بسلم البلاد لمن لا وطنية له، وقال بعد سنة كاملة وفي نفس المكان كلاما يفهم منه دون لبس نية التدخل بشكل ما لاختيار المنافسين ووضع حواجز قانونية أمام بعض المترشحين تحت يافطة فضفاضة (الاستقواء بالخارج) وهذا في صورة حدوثه المتوقع لن يكون إلا ضربا لاستقلالية الانتخابات المفترضة والمنشودة والتي بها تكون الشفافية والنزاهة والديمقراطية، وبانعدامها سنجد أنفسنا بلا شك أما انتخابات أردأ من انتخابات (زمني بورقيبة وبن علي).
ثانيا: من ناحية الشكل :
اصبحت ذكرى وفاة الزعيم المناسبة اليتيمة التي يمكن فيها لبعض الصحفيين (المحظوظين) أن يسألوا فخامة الرئيس ويجيبهم، فبعد خطبة مرتجلة عن الوطنية والنزاهة والمتآمرين وأعداء الوطن ومن يريدون تفجيره من الداخل، يفسح المجال لقلة قليلة من الصحفيين كي يسألوا، ثم ينفض (المؤتمر الصحفي غير المعلن).
وهذه الطريقة تعمق بلا شك الأزمة الاتصالية القائمة بين مؤسسة الرئاسة والإعلام بمختلف قنواته. فالمسائل المصيرية التي تهم مستقبل البلاد وديمقراطيتها أحرى بها (كما هو معمول به في كل الدول ) أن تكون موضوع لقاء صحفي متلفز أو كلمة رئاسية معلن عنها مسبقا.
ثالثا: ومن ناحية البعد الرمزي :
فإن ذكرى وفاة الزعيم مناسبة مهمة لتذكر منجزات حقيقية ما كان لها أن تكون لولا إرادة الحبيب بورقيبة مثل مجلة الأحوال الشخصية أو التنظيم العائلي أو مجانية التعليم ...إلى غير ذلك مما نعتقد اليوم أن دولة الاستقلال قد وفقت فيه، وآخر شيء يمكن أن يُتحدث فيه أمام قبر الزعيم هو الديمقراطية والانتخابات الرئاسية فالإجماع حاصل على أن دولة الاستقلال لم تهتد خلال خمسين عاما إلى طريق الديمقراطية.. إلا إذا كان القصد من وراء هذا الإصرار على تناول الموضوع في روضة آل بورقيبة توجيه رسالة مفادها أننا عائدون إلى ممارسة الديمقراطية على الطريقة البورقيبية رغم معرفتنا جميعا بمآلاتها..