خلال حكم الرئيس بن علي كانت الأقلام الموالية للسلطة تتصدر المشهد وتضع أسماءها بالبنط العريض على مقالاتها (خصوصا كي لا تخطئ المكافآت طريقها) فلا أحد يمدح السلطة ويتبنى وجهة نظرها للتاريخ بلا مقابل وباسم مستعار..
جعفر ماجد (على سبيل المثال) لم يكن جبانا كي يحجب اسمه عن أكذب بيت قاله (قد صارت تونس فردوسا تتباهى بالعيش الرغد). أما المقالات غير الممضاة فكانت تأتي من القصر لتتصدر الافتتاحيات في الصحف المكرسة لثلب المعارضة.
لقد كان المدح اختصاصا قائم الذات ويتنافس فيه المتنافسون، وكان النظام يغدق على مداحيه المكافآت بسخاء (غالبا) قبل أن يجف عرقهم ولم يلق أحد منهم (في ما أذكر) جزاء سنمار..
ما الذي أصاب المنظومة اليوم حتى يظهر تقرير يمدح النظام بلا اسم أو هوية؟! لذلك تفسيران: إما أنه قد جاء من خارج المؤسسة ولم يجد أحدا يضع توقيعه عليه، وإما أن كاتبه ليس له الجرأة لتبنيه، وبذلك يكون ذنبه الوحيد (فهو حرّ في قول ما يشاء) أنه قلب المعادلة وجعل من المدح جرما وألحق الضرر بأقدم مهنة عرفها التاريخ!!