قْالي جدي الله يرحمو هاك العام في موسم الحصاد "ما تتلم النعمة من الحصيدة كان ما نخلي فيها كبدي طول العام" هل يعرف وزير الفلاحة "المستتر هذه الأيام " هذا الشقاء ؟ لا أعتقد أنه يعرف .
نحن في الشمال الغربي لا نقول قمح وشعير نحن نقول "النعمة"، لأننا لا نتعامل مع القمح والشعير تعاملا مع نبات او زرع بل مع رحمة إلهية نلمسها بأيدينا كأنها نزلت لتوها من السماء ..
أقسم ان خالي عندما كان يزرع القمح في الأرض كان يقرأ سورة ياسين وهو ينثر البذور في الأرض البنّية اللون كأنها الشوق إلى الرحمة والخصب.. اقسم أيضا أنه يزور الأرض ويسلم على النعمة كأنه يسلم على البشر وأنا أيضا تعلمت منه ذلك. فهي نعمة وليست قمحا.
اقسم أن جدي الذي كان لا يقرأ ولا يكتب يزرع القمح والشعير كان لا يبدأ الزرع الا متوضأ بعدما يصلي ركعتين كان ينثر البذور ويتغنى ذكرا بدويا قديما عن قصص الأنبياء والأصحاب والإمام علي كان قد حفظها في مجالس ذكر" الدوار " وكان يسبّح كأنه في لحظة وجد.. كانت جدتي اذا بدأ موسم زرع الأرض تشد أكبر سردوك ليكون وليمة واحتفالا على مائدة الطعام.
هل رأى وزير الفلاحة فلاحي باجة وجندوبة والكاف وسليانة يهيؤون الأرض للقمح والشعير و ينثرون البذور او يحصدون وفهم تفاصيل ذلك؟
أنا رأيت وعايشت ذلك، الأرض عندنا كالمسجد يمنع فيها الكلام البذيء والكذب والقسم كذبا وان كان هزلا، حدود الارض كأنها حدود الحرم ما يجوز خارجه لا يجوز داخله..
لست أبالغ فالصلاة في الأرض غالبا لا يستخدم فيها الماء لقلته بل تيمما صعيدا طيبا وتمسحا بوجه الارض المباركة..والسجود لا يكون على سجّاد بل على الأرض مباشرة تختلط ناصية وجهك بتراب ارضك وتهبك من ريحها..
حتى الشباب الذي يشرب الخمر في ربوعنا كان لا يشق أرض النعمة حاملا خمرته وكان لا يلقي بقايا قواريره في النعمة، مستحيل أن يفعل ذلك انها مقدسة وعظيمة ولها حرمتها كالمسجد تماما.
هكذا هم فلاحونا اذا ضاقت بأحدهم الحقيقة يحمل حفنة من قمح ويقسم جهد قلبه أنه صادق ويضع القمح على عينه وهو يتمتم "ونعمة رب العالمين يهز عويناتي كيف ما نحكيلكم " فيتحول إلى قدّيس يصدقه الجمع وينزعون من يده النعمة توقيرا للقمح والشعير وتعظيما لنعمة الله..
أرأيت هذا الوجع سيد وزير الفلاحة إنه قدّاس وليست حقيبة وزارية كما أنت تعتقد…لذلك لن تتخيل وجع الفلاحين من ابناء جهتي بأطنان القمح والشعير يحملها الماء إلى الوادي او يتلفها في الطريق… ؟
ما صار في عهدك من اتلاف لمحاصيل القمح والشعير التي يحملها المطر إلى قاع الأودية نتيجة الاهمال فضيحة ستتلى على مسامع الأجيال القادمة لقرون لو كنت تعلم.. اقسم أن والدي واعمامي يذكرون قصصا متوارثة من عهد البايات كلها تتعلق بالأرض والقمح والشعير وكثيرا ما تختم القصة بأن هذا المسؤول المتهاون او المتكبر او الفاشل "دقْاتو نعمة ربي أو طاحت فيه نعمة ربي ".