في السنوات العشر الماضية قيل كل شيء عن المؤامرات على الثورة والحرية والديمقراطية واستقلال القضاء... تم التحذير من كل مداخل الانقلابات ومنافذ الاستبداد وذرائع السطو على الإرادة الشعبية والعودة للحكم الفردي…
تم التنبيه لكل ذلك في عشرات المحطات والمواعيد والمناسبات وأوج الخصومات التي أريد إعطاءها ألوانا سياسية ومذهبية وحزبية وإيديولوجية...لكنها كانت في الحقيقة ديمقراطية حقوقية وطنية....
لقد حدث كل شيء طيلة السنوات الماضية مرات عديدة: في 2011 وفي 2012 وفي 2013 وفي 2014 وفي 2015 وفي 2016 وفي 2019 وفي 2020 وفي 2021..وتكررت محاولات الإجهاز على الحرية...وتكررت المقاومة واستمرت وتصلبت...وصمد الانتقال الديمقراطي رغم ما طاله من التفاف وتشويه وإنهاك…
لكن في الأخير تم الانقلاب رغم وضوح سيناريوهاته وانكشاف تعلاته ووفرة التجارب البيضاء والسوداء، ورغم تلقي جرعات تحصين الوعي بلا حساب...لقد تم الانقلاب على كل شيء بدون منطق ولا حجة ولا فكرة ولا ذريعة تُحترم…
لم يعُد للكلام في الانقلاب معنى...ولا جدوى...لقد قيل كل شيء...وبلغ الوعي مداه..ولن يؤمن بقداسة الحرية والديمقراطية إلا من آمن...ولم تعد المعركة معركة حجة ودليل ومنطق وعقل وارتقاء بالوعي...المسألة مسألة توازن قوة...الانقلاب يستقوي بالجيش والأمن والإدارة والقضاء العسكري وأجهزة الدولة لفرض كلمته الاستبدادية المعادية للديمقراطية والحرية والتنمية، وهاهو يفتح فمه للمراسيم لابتلاع كل القضاء المدني وضم المجلس الأعلى للقضاء لباقي سلطاته أو "ممتلكاته" تثبيتا بيّنا لأقدامه وترسيخا فاضحا لنفوذه غير المشروع، وتصفية مُضمرة لخصومه، وتمكُّنا مكشوفا من الدولة…
كل ذلك تحت أنظار المبادئ والنواميس و"الوعي" و"العقل" و"المنطق"...لكن تحت حراسة "القوة الصلبة" للدولة...فقط...القوة الصلبة التي لا يبدو أنها مكترثة للديمقراطية، أو للحرية، أو للاستقرار، أو للسلم الأهلي، أو للأمن القومي، أو للحفاظ على المؤسسات أو المكتسبات التي حررتها، أو للدستور، أو للأيمان الغليظة، أو للعقل، أو للوعي…
بقي القضاء المدني عموما رغم كل أمراضه عصيا على الانقلاب وأجندته، ولأجل ذلك يراد تطويعه وإعادة توظيفه عبر اتخاذ إجراءات انفرادية ومراجعة قانون المجلس الأعلى للقضاء كصيغة مُقنعة لحله وفسح المجال لتعيين الأتباع والموالين و"المستقلين" الذين يحكمون طبق ما يطلبه الرئيس أو يوحي به أو يلمح إليه أو يؤمن به…
لكن هل يسمح القضاء بهذا؟
لا شك أن العقل القضائي يرفض بطبيعته وبمزاجه وفي عمقه السطوة التنفيذية عليه وإن تفاوتت التعبيرات أو اختفت الاحتجاجات طالما أن الوعي الأدنى للاستقلالية قد تشكّل بعد، ولا حاجة أيضا لكثير الكلام والدروس والتذكير... فقد اتخذ كل فريق مكانه وخطه: إما استقلال أو اتباع...ولن يؤمن باستقلاليته وكرامته وحريته وسيادته إلا من قد آمن...ولن يبقى فيصلا في المعركة مع السلطة السياسية الغاشمة سوى أسباب القوة لدى المؤمنين باستقلال القضاء وأدوات المقاومة الفردية والجماعية...وأدناها "كلمة قضائية سواء"...وإلا فنهاية الجميع كالأغبياء!