لم يهدأ الفضاء الأزرق منذ الصباح بعد تسريب وثيقة إدارية عن القيمة المشطة جدا لثمن مشتريات رئاسة الجمهورية من اللحوم الحمراء لسنة 2022 والبالغة مليار و 141 مليون و220 دينار…
وفي انتظار اتضاح الرؤية بشأن صحة الوثائق والأرقام والمبالغ ووجاهة الاستنتاج والتقييمات حول البذخ الكبير والإسراف الشديد وربما سوء التصرف المالي، فإن مؤسسة الرئاسة نالها بعدُ وفي وقت وجيز سيل عارم وتلقائي من الانتقاد والسخرية والاتهام والتشكيك لن يكون من السهل محو آثاره السياسية والاجتماعية والأخلاقية أو تجاوزه خصوصا وقد انبنى ظاهريا على وثائق تبدو صحيحة…
سويعات فقط كانت كافية لتزعزع - كليا أو نسبيا، بحق أو بدونه - ما تبقى من صورة الرئيس النزيه، المقتصد، الزاهد، المقتدي بعُمَر، الحامي للمال العام، والمحارب للفساد...سويعات فقط!!
طيلة سنة كاملة ولحوم القضاة تؤكل على موائد صفحات الفتنة والتشويه والافتراء المنسوبة لرئيس الجمهورية، ورغم المطالبات العديدة بتدخله للتبرؤ منها أو لرفع الحماية السياسية عنها أو للتسريع بالكشف عمن يقف وراءها إلا أن رئيس الجمهورية تجاهل الأمر والتزم الصمت الذي كان بمثابة الضوء الأخضر لها لتستمر في سحل القضاة المستقلين و"المناوئين" وتشويههم والافتراء عليهم تمهيدا للمجزرة القضائية التي اقتُرفت في حقهم بعزل 57 منهم بجرة قلم بعد أن أخذ الرئيس نفسه نصيبه من "لحومهم" استنادا إلى تقارير بوليسية زائفة ووشايات كيدية حُررت على المقاس وطبق الطلب...لينضاف القضاة إلى كمية "اللحوم" الحمراء المستهلكة من الرئاسة لا بكلفة مالية باهضة بل هذه المرة بكُلفة سياسية كبيرة جدا على البلاد، وبكلفة باهضة جدا على سمعة القضاء التونسي وعلى اعتبار القضاة المعزولين وشرفهم دون تراجع منه أو اعتذار أو إصلاح للخطأ ولو في شكل تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية التي أنصفتهم…
ربما تكون تسريبات اليوم فرصة لمعرفة "الأثمان" الحقيقية "للحوم" الحية والحمراء، ومناسبة لإدراك القيمة الصحيحة للسمعة والاعتبار...ومنها لفهم الأبعاد الخطيرة للتشويه والافتراء...توصّلا إلى الامتثال لقاعدة: "كما تَدين تُدان"!!