أن تخترق الحركات السياسية الكبرى تيّارات فكريّة مختلفة ومتصارعة عبر أدبيات وتعبيرات مختلفة عن هذا التنوع وعن هذه الاختلافات، فهذا أمر صحّي ومحمود ومطلوب، وهو في نهاية الأمر دليل على ما تعيشه هذه الحركات من حيويّة ومن ديناميكية ومن عنفوان. وهو كذلك، دليل على هيمنة عقليّة قبول الآخر…
ولكن كما تلاحظون، ما يجري اليوم داخل الأحزاب التونسيّة بمختلف مشاربها السياسيّة والفكرية، من صراعات حامية الوطيس - عادة ما تؤدّي إلى التصدّع والتشقّق إلى ما لا نهاية له – ذلك أنّ موضوعها ليس الاختلاف والتنوّع الفكري وإنّما السعي الدؤوب إلى الحصول على المواقع (قائمات انتخابية، مناصب حكومية أو حتى مواقع داخل الهياكل الحزبية، الخ)... ولا أدلّ على ذلك أنّ هذه الصراعات تشتدّ حتّى تصبح على العلن، وتطفو على السطح، كلّما اقتربت المواعيد الانتخابيّة!
ظاهرة أخرى نلاحظها في السياق نفسه، الاندماج بين الأحزاب وكذلك تشكيل الائتلافات السياسيّة المختلفة… موضوعه أيضا إعادة التموقع والحصول على مناصب حكومية مرتقبة أو مواقع قيادية حزبية…
وتغيب بين هذا وذاك الرؤى المستقبليّة (وهذه غير البرامج الانتخابية المنمّقة)، والأدبيات، وتحظر النرجسيّات والعنتريات الفرديّة….
ولذلك فنحن نستنتج يوما بعد يوم بأنّ البلاد والمشهد السياسي خاصّة تعيش حتما نهاية مرحلة ستندثر فيها الأحزاب والحركات التي ترفض التطوّر… وكلّها في تونس رافضة لمبدأ التطوّر…