تندرج أعمال لطفي العبدلّي ضمن أحد أغراض المسرح المعاصر المسمّى
One-man-show أو Spectacle solo. وهو فنّ من الفنون المسرحیّة الركحیة الخاضعة لمقاییس تقنیّة وجمالیة دقیقة من إخراج وحركة وإضاءة الخ... وركیزة هذا العمل المسرحي الأساسیّة هو النصّ. قد یبدو على هذا النصّ -من باب التمویه المسرحي- الارتجال، ولكن هذا "الارتجال" هو بند أساسي من بنود "العقد" المبرم بین الممثّل والمشاهد.
ومن البنود الأخرى لهذا العقد بین الممثّل والمشاهد: الهَزْل. فالهزل هو الخاصیّة الأساسیّة لهذا الفنّ المسرحي. وبدون الهزل تنتفي الصبغة المسرحیة للعمل المقدّم وتفقد جدواها ُّ الركحیّة لتتحوّل إلى محاضرة أكادیمیّة أو خطاب سیاسي أو خطبة جمعیّة...
یلتزم عندها الممثّل على توفیر الهزل في نسق مسترسل وتصاعدي من ألف العرض المسرحي إلى یائه، تلبیة لرغبة مشاهد تحوّل بمحض إرادته إلى المسرح واقتنى تذكرة لهذا الغرض. العقد إذن واضح ودقیق وصارم... المسرح ككلّ الفنون و الآداب مرتبط أساسا بالذّوق... قد نحبّ وقد لا نحبّ، ولا سلطان لأحد على أذواق النّاس...
ظهر لطفي العبدلّي على الساحة التونسیّة منذ سنوات عدیدة، عبر المسلسلات الدرامیة والكومیدیة وعبر السینما ومن خلال بعض التجارب في التنشیط التلفزي الخ... ولكن أمره استقرّ كما یبدو على هذا الغرض من أغراض المسرح. ونستشفّ من خلال تتالي الأعمال، وعدد العروض صیفا وشتاء، نجاحه في ما یقوم به، تمثیلا وتسویقا. وهذا ما یفسّر لجوء جلّ المهرجانات لبرمجة عروضه لتأكّدهم المسبق لنجاح هذه العروض وقدرتها على ملإ مدارج مسارحهم بالمشاهدین.
ما سرّ هذا النجاح الذي لقیه ویلقاه لطفي العبدلّي عاما بعد عام؟
إضافة إلى حِرفیّة العمل وحِرفیّة التسویق، فإنّ لطفي العبدلّي قد نجح في كلّ مرّة لإي إضحاك المشاهد طیلة العرض... ولكن ما الذي یضحك النّاس عامّة في مثل هذه العروض المسرحیّة؟ فقد نُضك أصدقاءنا بنكتة أو نكتتان، وینتهي الأمر... أمّا أن نشدّ المشاهد طیلة ساعة ونصف أو ساعتین بدون هوادة ولا انقطاع فهذا أمر مختلف ویحتاج إلى قدرة عالیة وتمكّن من فنّ الهزل... یحتاج الى حبكة قصصیة مترابطة الحلقات ونصّ مفعم بالصور المضحكة الهزلیة...
وهذا فنّ ومهنة واحتراف وعشرات الساعات من العمل المضني...
ما یضحك النّاس أساسا هو المسافة بین الحیاة الیومیّه والسخریة منها… هو سقوط أقنعة الصرامة والجدّیة وتجاوز بعض "الحدود" الاجتماعیة والأخلاقیة والسیاسیة… وهذا الضحك الذي ندفع المال بحثا عنه هو نوع من البحث عن جنّة الطفولة المفقودة… والتخلّص المؤقّت من بعض أشكال النفاق التي تُلزمنا…
لذلك یسعى الممثل إلى دغدغة "المناطق الحدودیة" الحسّاسة لدى المشاهد…
فیسخر من الساسة، ومن بعض السلوكیات الدینیة والاجتماعیة للناس، فیرون في هذه السخریة أنفسهم ومحیطهم…
ما أثارته "قضیّة" ُّ التبّان أو "الكلصون" -وفي الكلصون هنا إحالة مجازیّة لورقة العنب التي تخفي عورات أهل السیاسة، وإن بانت عوراتهم في صور أبشع مما أتى على لسان العبدلّي- ما أثارته هذه القضیّة هو في الحقیقة النزعة المتأصّلة لدى بقایا منظومة سیاسیة ثقافیة متخلّفة لا تقبل برأي مخالف، سیاسیا كان هذا الرأي أو ثقافیا… هؤلاء البقایا وتلك العقلیّة لا تزال معشّشة في أجهزة الدولة العمیقة وإدارتها ولا ولن تقبل بحریّات الثورة… فهي تعادي الثورة جملة وتفصیلا… وما لم تهزم أورام هذه الدولة العمیقة وعقلیتها بالبتر والاستئصال فسیُخنق لطفي العبدلّي وغیر لطفي العبدلّي…