الآن وبعد مرور 10 سنوات على تلك الأحداث باتت الرؤية أكثر وضوحا، وإن بقيت بعض المساحات الغامضة المُظلمة، لا سيّما فيما يخصّ دور القوى الخارجية ومدى اعتمادها على قيادات الأحزاب والاتحاد وما يسمى بالمجتمع المدني. من خطّط يا ترى لهيئة بن عاشور مثلا؟ ومن اختار أعضائها؟
القصبة (1-2-3) في حدّ ذاتها... ألا يمكن اعتبارها بوتقة جُعلت لمحاصرة مارد الثورة في مكان بعينه وقطعه عن الانتشار والعفويّة (سمات أساسية للثورات) حتى يتسنّى ترويضه شيئا فشيئا وإبعاده عن الحاضنة الطبيعية للثورة: المناطق المهمّشة والأحياء الشعبية... لقد وقع إهمال البعد الجغرافي للثورة ناهيك عن البعد التاريخي... واستمرّت هيمنة القصبة على باقي البلاد ولم تحدث القطيعة الرمزية…
أذكر جحافل قادة الاحزاب وخطبهم المعسولة أمام ما يسمّى ب"شباب الثورة"... وكذلك جحافل المحامين (باب بنات) ممّن سيتسلّقون لاعتلاء مشهد صنعوه على مقاسهم طيلة عشرية كاملة…
القصبة كانت للأسف الشديد محطة من محطات إجهاض الثورة... بعدها خرج (أخرج) من قاموا بالثورة بفرحة انتصار مزيّف (الاستبدال المخابراتي الاجنبي لحكومة الغنوشي بحكومة السبسي)، وانطلاق موسم الصيد... صيد المواقع وتقاسم الغنيمة... فرضت على المشهد تيمات جديدة لا علاقة لها بالثورة أصلا (مجلس تأسيسي، نظام برلماني، وفيما بعد انتقال ديمقراطي وعدالة انتقالية الى آخره من تيمات الالتفاف)... ناهيك عن صراعات الهوية وما شابه…