1987
وحلّ عهد الشؤم
"كان ربيع سنة 1987 مشحونا بالأحداث المتسارعة والمتصاعدة الوتيرة, تمهِّد لها وتحيط بها وتتبعها أمواج متلاطمة من الإشاعات الصحيحة وغيرها. فهذا ما ستسمعه لو أنَك استرقت السَمع…
- هذا فلان توفيَ تحت التَعذيب.
- وهذا آخر خرج ولم يعد, ولا أحد يدري أين هو, والبوليس السيَاسي لا يفتأ يبحث عنه, وفي كلِ مرَة يٌقلب البيت رأسا على عقب, وسط بكاء الزوجة وفزع الأطفال.
- يتردَد في بعض الأوساط, أنَ بورقيبة سيعفو على الجميع, ليفتح صفحة جديدة لخلفه, لا تشوبها شائبة.
- ها هم ألقوا القبض على الشَيخ عبد الفتَاح مورو.
- هذا عمرو, قد اغتصبوا زوجته المحجَبة أمام عينيه, حتَى يعترف عن الآخرين.
- هذا زيد فقد صوابه من هول التَعذيب, فصار يجوب الشَوارع والسّاحات العامّة, من دون وجهة, متفوِها بالكلام البذيء, بعد أن كان مثالا للتَديُن و الاتزان.
- يقولون أنَ مجموعة من الشَباب ألقت بقارورة من ماء النّار acide على وجه أحد أعضاء لجان اليقظة من الحزبييِن.
- هل سمعتم بحرق مقرِ الحزب في باب سويقة؟... يقال أنهم تعمَدوا إلى حرق الحارس, وهو حيٌ.
- هل رأيتم عدد الحواجز المنصوبة على الطَريق؟... لقد فُتِشنا ثلاثة مرَات خلال مسافة عشرة كيلومترات.
- إنَهم يداهمون بيوت المشتبه بهم, ويقلبونها رأسا على عقب, بحثا عن الأدلَة التي تدينهم.
- يقال أنَهم أخذوا حتَى المصاحف كأدلَة على تهمة التَديُن.
- لقد صارت المساجد تغلق أبوابها إبَان كلِ صلاة... أوقات إداريَة!
- هل رأيتي فلانة؟ لقد نزعت الحجاب, وكذلك صديقتها, وجارتنا أيضا! ووه... ووه... الّلطف... يا وخيتي!
- يقال أنَ السُجون لم تعد تكفي... امتلأت.
- آه! الآن فهمت! لقد أصدروا عفوا على عدد لا بأس به من مساجين الحق العام…
- ستبدأ المحاكمات قريبا.
- ستكون هناك إعدامات هذه المرّة... هذا أكيد... إنَهم لا يمزحون... هذه المرَة.
- الرئيس قال في خطابه الأخير: نْنننحَبْ قببببلْ ما نْننننموتْ نَققققضي على الأكككككواخ وعلى الخوانججججيَه (تصفيق حاد و... "بالرُوح بالدم نفديك يا بورقيبة").
- طفِي الضو…
- اقلب الصحنْ…
- بدِّلْ الموضوع…
- من يلعب مع التَرجي الريَاضي هذا الأحد؟
- جميل فستان صوفيا صادق في حفلة الأمس... أليس كذلك؟
- ألو... ألو... أ..."
أنقطع الخط... وأنقطع التيَار, وساد ظلام دامس, وعمَ سكون مخيف, وألقى الكرى على العيون مسحوقا غريبا, لم يستفق بعده أحد..."
(يتبع)