مرّ على غياب أبي المقعار أسبوع بالتمام وبالكمال، لم نره فيه ولم نقرأ له تدوينة ولا مقال، فخشينا عليه من سوء المآل، واتجهنا صوب بيته، تنهشنا الحيرة، ويؤرقنا السؤال.
طرقنا الباب فجاءنا الجواب من بين حمحمة وسعال. عندها انزحنا كمن فوجئ بالرّاعد، والتزمنا بمسافة التباعد. وجنحنا إلى السلامة، فشددنا الكمامة. فالزمن زمن وباء، فيه حذر وحظْر واختباء، والفائز فيه من تحلّى بأخلاق الجبناء، فركش ركشة الرُّتيلاء.
قلنا: أجبنا يا أبا المقعار
قال: من بالباب؟
قلنا: جمع من الصحب ومن الأحباب، ونستحلفك بالله ألاّ تفتح نافذة ولا باب، قبل أن تجيبنا من وراء ستار وحجاب!
قال: لا تتقدّموا وامكثوا مني على مسافة مضمونة، فلربّما علقت بكم بعض فيروسات الكورونة.
فعجبنا له وقلنا: ويحك يا أبا المقعار! أتتّهمنا بالكوفيد، وسعالك يسمع من قريب ومن بعيد؟
قال: تلك نزلة برد خلّفت عندي سعالا مألوفا لا لبس فيه ولا هو بالشديد! وعلى كلّ حال فأنا معتزلٌ الناس منذ حلولِ الوافد الثقيل العنيد.
قلنا: وكيف تقضّي يومك وليلك؟ ألا يأتيك ضجر ووحشة المنعزلين؟
قال: كلاّ والفضل بعد الله لما يدور بقرطاجة، والقصبة، وباردو، وتلك المسمّاة نرمين!
قلنا: دعنا من إطالة الحديث ومن القال والقيل، ومن نزعة التأويل... هيّا اصطحبنا إلى مخبر التحليل، حتّى نثبت سلامة الجميع بالبرهان وبالدليل!
في المخبر استقبلتنا مليحة ذات خمار ونقاب أبيض رهيف، وأدخلت في غياهب مناخيرنا عودا طويلا نحيفا، بحثا في خباياها عن آثار الفيروس المخيف. وانتظرنا مع المنتظرين لحظة الإعلان والتصنيف.
ونادى المنادي:
"يا قوم... يا قوم... روّحوا راكم نيڤاتيف!"
حمدنا الله على السلامة، واخذتنا العزّة بالنجاة إلى منحى الفرحة المستدامة. فتوجّهنا إلى شارع الثورة المستمرّة، في ظلّ الدولة المستقرّة، حتّى نساهم في فرحة الفرحين وفي احتجاج المحتجّين.
هناك وجدنا صراخا وشرطة وتجييش. سألنا من حولنا ما الخطب؟ فأجابنا شابّ يتناغى، بنبرة سنبل آغا وبلباس الدراوييش: "ووووه... شنوّا الحالة؟ تحسابوها غزوة المنقالة؟ ياخي ما فيبالكمش؟ إنّها غزوة الكانيش!"
فسألناه: من أنتم وبماذا تطالبون فقد عجزنا عن فكّ رموز هذا التغبيش؟
فأجاب بلغة الحرافيش: نحن نرفض حكومة المشيش، ونطالب بالحدّ من التهميش، وبتسييب الحشيش، وبالكفّ عن التقطيع والترييش...
وتركنا مبهوتين في أمره، بعد أن رفع في وجوهنا، الأصبع الوسطى وأحمر الشفاه والتحق بصاحبة الكانيش.
هنا دعانا أبو المقعار إلى الابتعاد عن ثورة الهشيش وغزوة الكنيش.
وخطب فينا خطبته الشهيرة فقال:
لهم ثورتهم ولنا ثورتنا.
وهنا صرخنا صرخة الرجل الواحد:
"عاش عاش أبو المقعار لا حماية لا استعمار"…
"عاش عاش أبو المقعار لا ادُّهين ولا استحمار"...
"يا كوفيد يا جبان يا عميل الامريكان"...
"يا كورونة يا ملعونة هاي جات الزقفونة"...
هنا توقفنا عن الصراخ فجأة، واتجهت أنظارنا إلى أبي المقعار وقلنا:
ويحك يا أبا المقعار، لقد علمنا ما الكورونة، ولكن ما الزّقفونة؟؟؟؟
فسكت برهة وقال بلسان لم نتبيّن إن كان جارحا أم فارح:
هي تأويل الدستور على مذهب ابن القارح! هكذا قالت أمّك فونة الحلزونة، صاحبة الكنيش الراكب زقفونة…