الذين صاغوا مشهد ما بعد 2011 صاغوه صياغة مُحكمة ودقيقة هدفها افشال الثورة وجعلها بفعل ارتدادي مجرّد انتفاضة عابرة كغيرها من الانتفاضات التي عرفتها البلاد على مدى قرن ونصف. كانوا يعلمون آنذاك أن لا فائدة من التصدّي المباشر لحركة التاريخ، وأنّ الأجدر مسايرتها مع تحويل وجهتها تدريجيّا باستخدام كلّ الوسائل المتاحة وهي كثيرة…
ولكن ما كان لهذا المخطّط الجهنّمي تحقيق أهدافه وأكثر (في وقت قياسي)، لولا وجود طبقة سياسيّة ينهشها الجوع... الجوع للسلطة/الغنيمة... والاستعجال على التموقع في المشهد... طبقة سياسيّة تضخّمت فجأة بعد 2011... وتدافعت كما يتدافع الناس على السلع في موسم التخفيضات! طبقة سياسيّة استفحلت لديها العقد النفسيّة، وأخفّها النرجسيّة... وأشدّها النزعة الفرديّة الماقبل القبيلة... طبقة سياسيّة قبلت أن تقوم بدور الكومبارس... وحتّى بدور الكلينيكس ذو الاستعمال الواحد…
عشرة سنوات مرّت لتجد فكرة الثورة نفسها بعيدة كلّ البعد عن مجريات الأحداث... وليجد الكومبارس أنفسهم يتخبّطون في مستنقع موبوء، وفي ديكور بلاستيكي كيتش يحلو لهم تسميته "دولة" و"مؤسّسات" و"دستور"...
آن لكم أن تعوا بأن لا بحر أمامكم ولا أعداء وراءكم في مستنقعكم هذا... وجميعكم أعداء لهذه الثورة ولهذه البلاد.
ملاحظة: اللوحة المرفقة "جحيم دانتي" للرسّام الفرنسي : Bernard BUFFET (1928 - 1999)