من العاهات التي تمنع أي تطوّر يرجى في المشهد التونسي اليوم هو داء "الاصطفاف"... اصطفاف العالم وراء الجاهل... والمناضل وراء الانتهازي... والنظيف وراء الفاسد... هذا الاصطفاف يزيل الفروق بين هؤلاء وأولائك، بل يجعل العالم والمناضل والنظيف في درجة أسفل ممّن اصطفّ وراءهم…
سبب هذا الاصطفاف، الطمع والخوف وصغر النفس وضعف الهمّة وانعدام المروءة... المصطفّ يخوض حروبا بالوكالة... يدفع إلى الحرب ولا يشارك فيها... داخل في الربح خارج من الخسارة كما يقول المثل الشعبي…
هناك من يصطفّ وراء النهضة بدعوى أنها الحزب الأقوى والاقدر على انقاذ البلاد أو بدعوى مرجعيتها السابقة أو بدعوى قدرتها على المراوغة (التكتيك) أو بدعوى رداءة خصومها…
وهناك من يصطفّ وراء عبير موسي ووراء قيس سعيّد بدعوى عدائهما الشديد للنهضة... وأنهما سينقذان البلاد من "الاخوان"... قبلها ولنفس الاسباب اصطفوا وراء البجبوج…
ناهيك عمّن يصطفّون وراء فرنسا أو تركيا أو الامارات أو قطر أو ايران الخ…
إلى هؤلاء المصطفّين جميعا، أقول: أنتم تشبهون بعضكم البعض وان اختلفت ألوان راياتكم... جمعكم حبّ العيش بين الحُفَر…
أن تفكّر بعقلك لا بعقل غيرك... أن تعبّر بلسانك لا بكلمات غيرك... أن تغيّر بيدك لا أن تجعل هذه الأخيرة آلة تصفيق ل"بطولات" غيرك... أن تصطفّ وراء بوصلة المبادئ وأن تجسّد ذلك بالعمل من أجل التغيير... هذا ما يجعل منك انسانا حرّا وفاعلا... لا مجرّد ذبابة من بين الذباب المختلف ألوانه…