دعوكم من باناما، تقييم السياسة التونسية في منع غسيل الاموال هي الاولوية

Photo

تعد جريمة تبييض الأموال أو غسيل الأموال من أخطر الجرائم الاقتصادية التي شدت اهتمام المجتمع الدولي نظرا لتأثيرها على السياسات النقدية و الاقتصادية للدول التي تكون مسرح لهاته الجرائم و هو ما دعها الى الالتفاف حول هاته الجريمة و دعم المجهودات الدولية وذلك من خلال سن قوانين و تشاريع تستوجب درجة عالية من الخبرة الفنية و العلمية لتقصي أثار هاته الجريمة و كشف على المتخفين وراءها لزجرهم بالاعتماد على القوانين المنصوص عليها سالفا.

وتشمل عمليات تبييض الأموال مجمـوعة الأنشطة التي تتـم بعيدا عـن أجهزة الدولة القانونية و التي تتمثل في الجرائم العابرة للحدود، كتجارة المخدرات و جرائم الإرهاب و تهريب الأسلحة و الاتجار بالبشر و شبكات الدعارة... ، و بصفة عامة كل الأنشطة ذات الصبغة الإجرامية التي لا تسجل في حسابات الدخـل الوطني و يرمي المنتفعون بها في مرحلة ثانية الى ادخالها في الدورة الاقتصادية من خلال مجموعة من العمليات و التحويلات لتغيير صبغتها من اللامشروعة الى المشروعة.

و تندرج مكافحة جريمة غسيل الأموال( BLANCHIMENT D’ARGENT) ،ضمن اهم المجهودات الدولية التي تم التنصيص عليها بالمراجع التالية: - اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات و المؤثرات العقلية و المعروفة باتفاقية فيينا المعتمدة في 20 ديسمبر 1988. - اتفاقية المجلس الأوروبي لمكافحة غسل الأموال المعروفة باتفاقية سترازبورغ المعتمدة في 8 نوفمبر 1990. -الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب المعتمدة في 9 ديسمبر 1999. -اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة و المعروفة بإتفاقية باليرمو المعتمدة في 15 نوفمبر 2000. -لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المعتمدة في 31أكتوبر 2003.

و على اثر المصادقة الدول الأعضاء بمجلس الأمم المتحدة،انخرطت في المجهودات الدولية لمكافحة غسيل الأموال و من بينها الجمهورية التونسية وذلك من خلال ارساء القانون عدد 75 لسنة 2003 المؤرخ في 10 ديسمبر 2003 و المتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب و منع غسيل الأموال و الذي تم تنقيحه في سنة 2009 بموجب القانون عدد 65. لكن على اثر سقوط نظام سنة 2011،تفشت ظاهرة الإرهاب بتونس و نظرا للارتباط الوثيق بين الإرهاب و غسيل الأموال،يستوجب الوضع الراهن الذي تعيشه البلاد التونسية في سنة 2014 و تهديد زحف هاته الظاهرة على بلادنا قبل تقييم المجهودات الأمنية ان نتساءل على مدى نجاعة سياسة الدولة التونسية في مكافحة غسيل الأموال باعتباره المصدر الرئيسي لتمويل الإرهاب ،الى اي مدى نجحت تونس في الالتزام بالاتفاقيات الدولية و التوصيات الصادرة عن كل من مجموعة العمل المالي لمكافحة غسيل الأموال و منظمة الجمارك العالمية؟

هل قامت الدولة التونسية بسن قانون مكافحة غسيل الأموال،التزاما منها بالاتفاقيات الدولية دبلوماسيا أو وعيا منها بضرورة تجفيف مصادر تمويل الإرهاب؟ عديد الأسئلة تطرح اليوم بعد أن اصبح عدد ضحايا الإرهاب في نسق تصاعدي يستوجب تحليل ظاهرة الإرهاب من جميع الزوايا و من أهمها زاوية مكافحة غسيل الأموال من حيث الجانب القانوني النظري و الجانب التطبيقي.

. I- الجانب القانوني لمكافحة غسيل الأموال بتونس:

تم سن القانون عدد 75 لسنة 2003 و عمد المشرع التونسي الى تنقيحه سنة 2009 لجعله أكثر ملائمة مع المعايير الدولية في مجال التصدي لجريمة غسيل الأموال . و يعتمد قانون 75 لسنة 2003 على التوقي من جرائم غسل الأموال و منع حدوثها من خلال توخي قواعد التصرف الجذر و المحاسبة الدنيا واتخاذ التدابير اللازمة و المحمولة نصا بالأساس على المؤسسات المالية و البنوك و شركات التأمين و التصريح بكل العمليات المسترابة لجنة التحاليل المالية التي تتولى بدورها التدقيق في العمليات المصرح بها و القيام بالتحريات اللازمة لغاية تقصي حقيقة مصدرها. ولئن كان النص القانوني قد اقتضى تجريم العمليات غسيل الأموال و زجرها و افراد السلطة القضائية بذلك ،فإن البحث و التحري يستوجب من مأموري الضابطة العدلية من اعوان أمن و ديوانة اكتساب خبرة عالية في مباشرة هذا الصنف من الجرائم الاقتصادية. و باعتبار ان ظاهرة غسيل الأموال عادة ما تكون مرتبطة بالجرائم العابرة للحدود فإن مسؤولية أعوان الديوانة مهمة حيث يناط بعهدتهم مراقبة السلع الداخلة للتراب التونسي و الخارجة منه و العمل على التثبت من شرعية منشئها و احترام قوانين الصرف ورصد حركة الأموال و معاينة عمليات غسيل الأموال وجمع الأدلة و تقديم الجناة للمحاكم . وقد خص المشرع التونسي بعد التعريف بأركان جريمة غسيل الأموال،ثلاثة جهات لإقامة الدعوى العمومية لغاية تتبع مقترفي هاته الجرائم و هم :

1. اللجنة التونسية للتحاليل المالية: تنطلق الدعوى العمومية بإحالة اللجنة المالية نتيجة أعمالها مع ما لديها من مؤيدات على انظار وكيل الجمهورية بتونس المختص حصريا بتقرير مآل أعمالها و من ثم إثارة الدعوى العمومية و ممارستها قي جرائم غسيل الأموال

2. الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بتونس: لغاية توسيع دائرة الكشف عن العمليات المسترابة،اوكل المشرع التونسي لوكيل عام محكمة الاستئناف بتونس ،و لو في غياب تصريح بعملية أو معاملة مسترابة صلاحية طلب الإذن بتجميد الأموال من رئيس المحكمة الابتدائية و ذلك عن طريق الأذون على عريضة و يستوجب بمجرد تنفيذ قرار التجميد،أن يتولى وكيل عام الاستئناف احالة جميع الوثائق على انظار وكيل الجمهورية للإذن بإجراء البحث التحقيق

3. وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس: يتمتع بالسلطة الحصرية في إثارة الدعوى العمومية يسانده في ذلك مأمورو الضابطة العدلية التابعون لدائرة المحكمة الابتدائية بتونس الذي يمارسون وظائفهم في معاينة غسيل الأموال على كامل تراب الجمهورية دون التقييد بقواعد توزيع الاختصاص الترابي.

.II- تقييم السياسة التونسية في مكافحة غسيل الأموال:

أكدت السلطات التونسية لبعثة مجموعة و العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط و شمال افريقيا بوضوح تصميمها التام: - على مكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال بكل نشاط، سواء كان على المستوى المحلي أو في سياق الجهود الدولية ضد هذه الجرائم. - مكافحة الإرهاب وتمويل الإرهاب هي إذا، بشكل واضح، أولوية سياسية تتبلور بأسلوب تناول عملي للظاهرة. وهكذا تسجل السلطات عملها بمنطق تحريك جميع الأدوات المتوفرة لديها والتنسيق بين الفاعلين (من خدمات الاستخبار إلى الفاعلين الاقتصاديين الخاضعين لقانون مكافحة الإرهاب وغسل الأموال -. بالنسبة لمكافحة غسل الأموال، لم تحدد السلطات التونسية بعد خطة صريحة، أو أهداف كمية أو كيفية.

و رأت البعثة أن هذا يعكس تقييمهم بأن مخاطر غسل الأموال مازالت ضعيفة؛ وفي تقييم البعثة أن ذلك لا يضع مكافحة غسل الأموال ضمن الأولويات الأولى للسياسة الجزائية العالمية من وجهة النظر العملية. ومع ذلك فقد أفصحت السلطات القضائية للبعثة بأنها تأخذ في اعتبارها أكثر ،فأكثر الجوانب المالية في العمليات الإجرامية، عندما تظهر تلك الصلة، وأنهم مازال عليهم تعميق خبرتهم في هذا المجال – قبل، برأي البعثة، تناول مكافحة غسل الأموال بطريقة سابقة التأثير.

هذا وقد أفضى تموقع لجنة التحاليل المالية من خلال ارتباطها بالبنك المركزي الى ضرورة الحرص على استقلاليتها وحيث اوصت المجموعة بــ:

* توضيح كيفية اتخاذ القرار بالنسبة لما يجب اتخاذه من اجراءات بعد تلقي مقترحات الخلية العملية بشأن التصرف في بلا التصاريح بالشبهة بعد تحليلها. ويهدف هذا التوضيح إلى ترسيخ استقلالية الوحدة عن البنك المركزي.

* تزويد اللجنة التونسية للتحاليل المالية بالأماكن الوافية والمؤمنة تأمينا واضحا، وكذلك بالمستلزمات والتجهيزات اللازمة لعملها المستقل.

* تقوية وضع العاملين والأعضاء بالنسبة لإداراتهم الأصلية من حيث الاستقلال الموضوعي والسرية.

* تركيز جميع أعضاء الخلية العملية، خاصة القادمين من الديوانة ووزارة الداخلية، في مباني الوحدة، بغرض زيادة الفعالية، خاصة من حيث التجاوب والسرية اليومية.

* تبني لائحة داخلية تحدد شكل الوظيفة، وقواعد الفصل بين أنشطة العاملين، وقواعد السرية ليس فقط على مستوى المبادئ بل أيضا فيما يختص بأعمال التشغيل المحددة.

وقد أوردت مجموعة و العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط و شمال افريقيا ضمن تقريرها،بصفة عامة أن تونس لم تلتزم بالتوصيات و في ذلك قلة وعي بخطورة جريمة غسيل الأموال و تجاهل الترابط الوثيق بينها و بين الإرهاب هذا و ان كانت مقاومة الإرهاب و استئصاله تتطلب مجهودا امنيا و استخبارتيا و ميدانيا لتطويق الظاهرة غير أن تجفيف منابع تمويلها لا يمكن ان يكون سوى عن طريق مراجعة كليا للقانون لسنة عدد 75 لسنة 2003 كما تم تنقيحه سنة 2009،بعد أن وقفنا على محدودية الأليات المعتمدة في مكافحة غسيل الأموال و لمسنا نتائج عدم تطويق الجريمة السالفة من خلال ارتفاع عدد ضحايا الإرهاب و تنامي خطر التمويل بعد صدور المرسوم 87 لسنة 2011 المتعلق بالجمعيات و التي لا تخضع إلا لمراقبة شكلية تتولى القيام بها إدارة برئاسة الحكومة تتكون من خمسة أعوان على اقصى تقدير.

فعلى الساسة قبل وضع الخطط الأمنية لمكافحة الإرهاب أن تراجع خطة مقاومتها لغسيل الأموال ،فمكافحة النتيجة غسيل الأموال لا يعني استئصال ظاهرة الإرهاب نهائيا من بلادنا خاصة أن السبب الرئيسي المتمثل اساسا في غسيل الأموال القذرة يبقى خارج دائرة السيطرة في الوقت الراهن.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات