في كل دساتير العالم، "القائد الأعلى للقوات المسلحة"، رئيسا للجمهورية كان أو ملكا، في فرنسا مثلا يسمى chef des armées، المقصود بالقوات المسلحة هو الجيش. وحتى الدستور التونسي لسنة 2014 يشير الى ذلك في فصله 17 حيث تم التمييز بين القوات المسلحة وقوات الأمن الداخلي...كما أن ذكر "القوة المسلّحة" في تعريف الجيش الوطني في الفصل 18 غاب عن تعريف الأمن الوطني في الفصل المتعلق به (الفصل 19).
وهو يعلم كل ذلك، ولكن يمعن في مشروع انفراده بالحكم وبالهيمنة على كل المؤسسات بدافع نفسي غير سويّ وبخطاب قروسطي (أنا الدولة، بل أنا السماء والأرض) وبمرجعية ايديولوجية نكوصية مشرقية النزعة وبتزيين وتحريض ممن يقف وراءه من أطياف مختلفة إلى حين ("كبش نطيح") وغاية هؤلاء السياسية في الأخير كما قلنا مرارا وتكرارا "نرجعو وين كنا" غير بعيد عن "الحظيرة العربية" إياها و"فرحة الحياة" و"التقدم والازدهار".
لو كان ضابطا سابقا في الجيش لأمكن تفهم الأمر نسبيا أما أن يأتي هذا الخرق الجسيم المتعمد الثالث للدستور من أستاذ قانون دستوري فهذا الخلط المقصود والمغالط بإصرار والمستخف بعقولنا كمواطنين مسؤولين جميعا عن احترام الدستور، غريب وخطير على مؤسسات الدولة المعطلة أصلا بسببه وهي تواجه الآن دعوة ضمنية غير مسؤولة من أعلى هرم الدولة إلى التناحر وعصيان الأوامر، مهما كانت المبررات والمحرضات...
دعك من خرافة "محاربة الفساد" التي وشّحت، في عشرات الحالات بعديد بلدان العالم الثالث منذ عقود ولا تزال، صدر كل "بيان انقلابي أول" يحلم به بعضنا، فليس أفسد وأسقط، شرقا وغربا وبالمؤشرات والأرقام رغم التعتيم، من طغمة عسكرية حاكمة وكاتمة وقاتلة لشعبها …