بعد تقويضه لنظامنا السياسي بتحويله فعليا من نظام شبه برلماني إلى نظام رئاسي، ارتكب المسؤول الأول عن احترام الدستور التونسي خرقا دستوريا آخر لا يقل فداحة بتشكيكه في الفصل الأول من باب الحقوق والحريات (الفصل 21) القائم على المساواة بين المواطنين والمواطنات من غير تمييز، وهو بالمناسبة أهم مبدأ تقوم عليه جميع الدساتير الديمقراطية الحديثة.
ولأن العديد من التونسيين والتونسيات غير مبدئيين وغير منسجمين، وجد خرقه الأول ذو الطابع السياسوي دعما ومساندة من أغلب الذين انتقدوا وصرخوا في وجه الخرق الثاني ذي الطابع الحقوقي، بينما هلّل للصفعة المحافظة في وجه الارتقاء بحقوق المرأة التونسية فيما يتعلق بالميراث أغلب المتمسكين بدور مجلس نواب الشعب وأحزابه في المسألة الحكومية متهمين إياه بالانقلاب على الدستور.
هؤلاء وأولئك غير المتسقين يشبهونه تماما، بل ربما تفوق عليهم رئيسهم في باب المفارقات وانعدام المنطق، حيث طرح مستنكرا، في "محاضرته" الخطابية والخطّابية (سأعود في تدوينة لاحقة إلى العدل وقصوره التي تغيب فيها بنظره المساواة رغم الميزان وكفّتيه المتساويتين المتعادلتين) !!، مسألة "دين الدولة" كما ينصّ عليها الدستور في فصله الأول المثير للجدل،
ولكن عوض أن يستند إلى تعارض هذا الفصل مع مبدأ المساواة بين المواطنين، وبعضهم وإن كانوا قليلا من ديانات ومعتقدات أخرى غير الإسلام دين الأغلبية، ذهب إلى مكان آخر بعيدا عن تونس وإلى يوم آخر لا يعلمه إلا الله ليتحدث عن الحساب والعقاب المتعلقين بالأفراد وليس بالدول، وهذا أقل ما يقال فيه أنه رأي بل تعليل غريب و مدهش أن يأتي من أستاذ قانون دستوري يبدو أنه "يريد" أيضا أن يلعب دور "رجل دين" يعترض على أن يكون للدولة التي هو رئيسها دين رسمي ويقبل أن يكون لها تشريع ديني (حاول أن تفهم)، لينتقل بنا من تأويلاته الدستورية الضيقة والخارقة إلى تأويلات فقهية أضيق وأخرق!!