طبعا وضيعة ومبتذلة لأنه لا يجوز الحديث عن "فاشية محترمة"، أو بالأحرى عن فاشية بأتم معنى الكلمة الحديثة كما دعمها خلال أوضاع مأزومة بعض الفلاسفة والمثقفين الأوروبيين الكبار،
في دول ضعيفة تابعة ليس لها إمكانات ألطموح الحالم أو الواهم بتصدر العالم واحتلال غيرها بعد الاستحواذ المطلق على روح شعبها وجرّه، بالترهيب وزرع المخاوف وتضخيم المخاطر وبألاعيب الدعاية الجماهيرية حول فرض النظام والتقدم، وراء تقديس الدولة المركزية الموحدة القوية بقيادة زعيمها القومي الفذ المنقذ وأجهزتها وميليشياتها المسلحة القمعية مع استحضار ميثولوجي لا تاريخي لرموز قديمة من "الزمن الذهبي الجميل" .
هل إن العقل المجرّد والمنطق السليم والحسّ المرهف للمثقف الدارس لتجارب الشعوب السابقة وسيرورتها (مآل أغلب الفاشيات ومصيرها الهزيمة الوطنية المذلة والتمزق المجتمعي والهجرة الجماعية والخراب الدموي ثم انتصار الديمقراطية) هي التي تدفعهم إلى هذا الموقف القطيعي المهين الذي يفترض أنه لا يليق بأمثالهم؟
أم هو شيء آخر أعمق نفسيا واجتماعيا من العقل النظري والحدس الفني يكمن تحت السطوح المعرفية واللغوية والقيمية والخطابات المثالية والشعارات المزيفة وأكثر تأثيرا عمليا في اتخاذ الموقف السياسي الذي يبقى موقفا أخلاقيا وإراديا واعيا بالأساس، ما لم تكن لهم مصلحة يمكن التضحية من أجلها بالحقيقة والقيم والمبادئ وموقعا يطمعون فيه أو يدافعون عن استمراره في إطار انتماء عصبياتي تحتي (طبقي، عنصري، قبلي، جهوي، طائفي)، حاكم بأمره وبأقليته و"نخبته العضوية" التي لا تؤمن بالمساواة بين البشر والمواطنين في الحرية والكرامة.
نعم يبدو أن الموقف من الشأن العام يحدده الموقع الشخصي الخاص الراهن أو المأمول وليس شيئا آخر استشرافيا وجيها يمكن له أن يجعل العالم والخبير والإعلامي والفنان في خدمة الاستبداد (وهو الشجرة التي تغطي غابة الفساد) والتبشير به أو بالرجوع إليه.