أليس هو من اختار وفق معاييره الشخصية الخاصة رئيس الحكومة الأولى ورئيس الحكومة الثانية الذي لم نسمع له صوتا إثر "إعفائه" مثلما لم نسمع بعد صوت "رئيسة الحكومة" الثالثة التي قام بتعيينها، راميا عرض الحائط الدستوري المشاورات النيابية اللازمة للتكليف باعتبار أن الحكومة مسؤولة أمام مجلس نواب الشعب وليس أمام رئيس الجمهورية، بنص الدستور الحالي الذي قام بتعليقه من قدميه وضرب برلمانه بالفلقة بعد "تجميده"؟
أليس هو من منع استكمال التعديل الحكومي الأخير قبل" 25 يوليو" مرتكبا خرقا دستوريا آخر برفض أداء اليمين لوزراء (بدعوى شبهات فساد) صادق عليهم البرلمان وبقيت الحكومة نتيجة ذلك منقوصة مشلولة متعثرة؟
أليس هو من يتحكم، بمقتضى الدستور ، بتوجيه سياستنا وعلاقاتنا الخارجية المسؤولة الأولى عن توفير لقاحات الكوفيد وغيرها من المساعدات الطبية التي انهالت، من باب الصدفة السياسية، مباشرة بعد "25 يوليو" وعشرين ألف ضحية، دون اعتبار مسؤولية وزارة الصحة التي كان على رأسها خلال الموجة الأسوأ للوباء في تونس أحد ممثلي الصحة العسكرية الأثيرة لديه تماما مثل القضاء العسكري الذي أمعن في استخدامه على حساب الحكم المدني والسلطة القضائية المستقلة؟
أما المحكمة الدستورية، حتى ولو "تفضّل" بختم قانون التعديل المتعلق بها وهو ما لم يقم به طبعا ضمانا لتجاوزاته وعدم مساءلته، فما كانت لتغير من الأمر الانقلابي أو "الاستثنائي" شيئا لأن السيد ببساطة غير معني أصلا منذ بداية عهدته بالدستور وبمؤسساته وهيئاته المستقلة، بل كان منشغلا فقط بصفته الحاسمة والموسّعة "القائد الأعلى للقوات المسلحة، العسكرية والأمنية" لأنها وحدها تسمح له عمليا، خارج نطاق الدستور فيما يقترب من "الأحكام العرفية"، بتجميع كل السلطات بين يديه كنظام رئاسوي في تقاطع لافت، رغم الشعار الجماهيري والثوري "الشعب يريد" والعديد من المهمشين الصادقين وبعض الايديولوجيين المبدئيين، مع المنظومة القديمة، الاستبدادية الفاسدة، المساندة له الآن بكل أجهزتها، كما تظهره مسيرات اليوم والجهة المبادرة بالدعوة إليها والمنظمة لها وهي من "النقابات الأمنية"، وبأقوى لوبياتها (غير الفاسدة بالمرة) و بأشرس عصبيّاتها وأكثرها حقدا على العقد الانتقالي الماضي الذي انتزع منها جزءا من السلطة التي كانت تحتكرها لعدة عقود.
ولا شك أنه بعد تهيئة "الصواريخ على منصاتها" سيواصل "الجنرال المدني" إطلاقها تباعا ليضرب بها "في أعماق الأعماق" أعداءه وأعداء أصدقائه، وهم طبعا "أعداء الوطن" الذين ينبغي إخراس أصواتهم وقنواتهم ومواقعهم "العميلة والخائنة" وقد بدأنا نشهد ذلك يوميا (كل التضامن مع أحمد مطر المسكين وقصيدته وقارئها التونسي الغاضب)؛
وعند الانتهاء من تطهير الساحة السياسية والإعلامية من تلك "الجراثيم والفيروسات" سيبدأ "حوار وطني" للصوت الواحد وصداه، قبل المرور سريعا إلى استفتاء كاسح لدستور جديد /قديم على المقاس السلطاني برعاية مسبقة من المؤسسات النزيهة لسبر الآراء، تحت شعار يحبّه أغلب الشعب، الكاره للديمقراطية "الساقطة والمستوردة" وبرلمانها "الهجين الفاسد"، ولا تستحي منه بعض نخبه التقدمية المستنيرة (الوطنية والقومية والأممية؛ المطبّعة والمناهضة للتطبيع...لا فرق) من أجل إنقاذ تونس: "نرجعو وين كنّا"... قبل 14 جانفي الذي لا يعترف به "الحاكم بأمره" !
ورغم الإرادة التي يجب أن تبقى دائما متفائلة يمكن القول العقلاني المتشائم إننا مقبلون، لعقدين قادمين، على عهد أسوأ بكثير من العهدين السابقين في مستوى قمع الحريات و إهدار "الكرامة" التي بقيت حرفيا سبع سنوات منسية ومقصاة من "شعار الجمهورية" الرسمي كما هو منصوص عليه في الباب الأول "المحتفظ به" من الدستور المغلوب على أمره.