في رأيي رئيس الجمهورية ارتكب خرقا دستوريا جسيما وخالف يمين القسم باحترام الدستور وهو يعلم أنه لا سلطة مضادة لقراره بتكليف رئيس حكومة جديد من دون الأخذ بعين الاعتبار المشاورات النيابية اللازمة كما اشترطها الفصل 89 للتكليف، وذلك تحت غطاء التأويل الذاتي الشاسع في غياب المحكمة الدستورية مع التهديد بحل البرلمان الذي نزع عنه رئيس الجمهورية، في آخر تصريح له، الشرعية الواجب "مراجعتها" في نظره.
ج وكأنه يقول " أنا الشرعية…أنا الدولة"، راميا عرض الحائط بأول درس في القانون الدستوري حول فصل السلطات، ليحوّل فعليا نظامنا شبه البرلماني إلى نظام رئاسوي وحكم فردي عشنا انحرافاته الاستبدادية طيلة ستين عاما.
جورغم خطورته على الانتقال الديمقراطي الذي لم يكتمل في تونس، يجد ما ارتكبه رئيس الجمهورية (للمرة الثانية والثانية أفدح)، التشجيع والمساندة إلى حد التهليل والتطبيل، ليس فقط من قوى سياسية تنتمي الى المنظومة القديمة، تعتبره مؤقتا في خدمة أجندتها كجسر عبور رجعي (نرجعو وين كنا)، وإنما أيضا من بعض النخب الحقوقية (رغم أنه محافظ) والتقدمية التي يبدو أنها لم تعتبر بالتجارب التونسية القديمة ولا بالتجارب العربية المقارنة،
جوعذرهم الذرائعي ذلك "الثقب الأسود" الذي لم تكشف، بكل شفافية، ضعف برامجه اليمينية وانتهازيته وتراجعه الشعبي واستنفاد رصيد مظلوميته إلا الديمقراطية التي لا تعني شيئا آخر سوى سيادة الشعب الحر المتنوع والمتعدد والمتصارع سلميا حول المصالح والأفكار والبرامج المختلفة والمتداول عبر ممثليه (وليس ممثله الأوحد) دوريا على الحكم.