ليس مفاجأة...خرق إضافي جديد للدستور (الفصل 80 المقصول المسكين هذه المرة) هو مجرد "تتويج" لعدد من الخروقات الجسيمة للدستور مرت مرور الكرام رغم الجعجعة الحزبية والبرلمانية والتكتيكات الانتهازية التافهة، من تكليف رئيس حكومة دون الالتزام بالمشاورات النيابية إلى رفض أداء اليمين من وزراء صادق عليهم بأغلبية معززة البرلمان الذي ينص الدستور على أن الحكومة مسؤولة أمامه وليس أمام رئيس الجمهورية،
وصولا إلى المرحلة الحاسمة المقصودة بالخلط بين الجيش والأمن تحت عنوان القوات المسلحة والتركيز على صفته كقائد أعلى لها، بما يؤشر لرفضه لأي حوار سياسي أو مبادرة لحوار وطني تحضيرا مدروسا لانقلابه النهائي بل حركته " الثورية التصحيحية" (بالمعجم المشرقي إياه الذي نعرف مآلات البلدان التي جربته من تقسيم وتخريب واستبداد طغمة عسكرية و عائلية بعد جفاف حبر البيانات الأولى وشعاراتها السيادية الكبرى) و التي "أتت" أخيرا تحت أنظار وخبرات "الغرف المظلمة التي تحيك المؤامرات"، وقد تبينت حقيقة من كانت تخدم، وبتهليل شعبي واسع فعلا ممن أتعبتهم الأوضاع الاجتماعية والصحية، وقد تبين أيضا من "استغل سياسيا الكارثة الوبائية" لتحقيق هدفه الانقلابي المرسوم منذ البداية، وبمباركة من أحزاب مختلفة المبررات (بعضها ايديولوجي "عروبي" وبعضها "تونسي جدا" يحن إلى العهدين الجميلين وبعضها يساري ثوري من بقايا القرن الفارط) …
طبعا "السلطة المطلقة مفسدة مطلقة" وإن رفعت إلى سماء الصدق و النزاهة الفردية وباسم التاريخ شعار مكافحة الفساد ويكفي أن ننظر إلى ابتهاج معظم أثريائنا لما حدث وهؤلاء بالذات كانوا ينتظرون ويحرضون على "انتهاء الفسحة" الديمقراطية وإغلاق قوسها منذ 2011 حتى ندرك أن القرار بالرجوع إلى النظام الرئاسوي ليس فرديا أو مخبولا أو سطحي الأبعاد الطبقية....
المقاومة المدنية والديمقراطية والحداثية مطلوبة ضد قيام "دولة الخلافة" التي يجمع فيها "الرئيس الخليفة" الكاره للمساواة والمتعطش للإعدامات و"وابل الرصاصات"، ولو مؤقتا، السلطات القضائية والتشريعية إلى جانب السلطة التنفيذية التي نبهنا عند إعداد الدستور من خطورة تقسيمها إلى رأسين…
والمطلوب من أي تقدمي، أو يزعم أنه كذلك، أن يرفض المشاركة الفاعلة أو المتواطئة في تحقيق شعار "نرجعو وين كنا"…لأن "الرجعيات الحديثة" الفاشية والشعبوية لا تقل شراسة وخنقا للحريات، وأولها حرية التعبير وحرية الإعلام، من "الرجعيات الظلامية القديمة" أو "الثقب الأسود" الجاذب سلبا لحياتنا السياسية منذ عقود والشماعة المتواصلة لأي استبداد مضاد لها …