رسالة أولى إلى العزيز زياد كريشان:
أعتذر منك على الإجابة المتأخّــرة فلمْ يتسنّى لي قراءة رسالتك لقد صادروا جريدة المغرب يوم نشرها للرسالة ثمّ منعوها على كامل معتقل المرناڨيـة إلاّ أنّني تمكنت من قراءتها الآن بعين دامعة وبهجة في القلب كبيرة.
عين دامعة لأنّها من القلب إلى القلب وبدا ذلك واضحا في كلّ كلمة ومع كلّ عبارة كتبتَها. لقد عُـدتَ بي إلى زمن الشباب الحالم وسنوات الانطلاق. أعادتني رسالتك إلى حضن أبي ومعلّمي Papi (جلبار نقّــاش) الذي علّمني أنّ اليسار قِـيَمٌ وأخلاق وإجلال للإنسان والإنسانية.
أعادتني إلى رجالات كـثيرون أنفقوا أعمارهم فِـداءً للـوطن دفاعا عن قِـيمِ الحرّيـة والعدالة..
جيل، رغم رحيل الكثير منه إلاّ أنّني لا ولن أنسى نورالدين خضر، أحمد بن عثمان الردّاوي، رشاد بلّلــون، زميلك وعشيرك الشيخ الطرودي، فتحي المسدي، الصادق بن مهنّى، المنجي اللوز، محمد بن جنّــات، رضا الزواري … وغيرهم من قامات اليسار التونسي. اليسار المثقف. اليسار المناضل بكل صدق والمدافع عن قِيــمه وعن مبادئه..
جلست مع كل هؤلاء المناضلين الأفذاذ وبجانبهم ترعرعت. احتضنوني وأنا طفل…
وأخذت منهم ما أمكن لي وأنا أشق طريق الشباب إلى أن كبرت واشتدَّ عودي فوجدت نفسي أحمل المشعل عنهم مثل البعض من أبناء جيلي كي تستمر المسيرة ويتواصل الحلم. الحلم الكبير لبناء الغد الأفضل.
كما تمكنت من قراءة رسالتك ببهجة في القلب كبيرة لأنّها جاءت من زيــاد، المفكر والمثقف والإعلامي الألمعي فكانت شهادة أفتخر بها ملأت صدري دفئا كما ضخّتْ في جسدي المنهك شحنة وزادا من الحيوية وشعاعا من الأمل.
عزيزي زياد: " إنّ زمن الرحيل لم يحن بعد "كلماتك الصادقة تلك كان لها تأثير عميق، لذلك أنا على يقين بأنّنا سنلتقي حتما. قبل أن أودّعك أهمس لك وجعا بات يراودني، ينبعث منه صوت مُـلِـحٌّ ينادي:
" أنّ زمن استفاقة النيام قد حان".
رسالة ثانية:
إلى الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان والهيئة الوطنية لمقاومة التعذيب وهيئة الدفاع عن المحتجزين قسريا بمعتقل المرناڨية. تحية نضالية حارة إلى الجميع.
وقفتكم بجانبي ومساندتكم لي في هذه المرحلة الصعبة التي أمرّ بها بمعية البقية من المعتقلين السياسيين هي فعل نضالي بامتياز لم يعد يجرؤ عليه ويقوم به إلاّ أصحاب المبادئ من الشجعان
فشكرا لكم. لقد وسّعتم عنّي زنزانة أسري وناديتموني للتوقف ولو لحين حفاظا على جسدي. نداؤكم الملح الصادق ثمين.
لذلك وتلبية لكم ولما يحتويه شعوركم نحوي من معاني سامية تتكامل والمبادئ التي من أجلها أضربت عن الطعام ووضعت جسدي وحياتي على المحك فها أنّني أستجيب إلى حين.
فدعوتكم هي "على الراس والعين"..
دمتم ودام نضالكم.
رسالة ثالثة:
تحيّــة صدق ومحبّة واحترام:
إلى كل الأحرار والأصدقاء والأحبّة وكل الشخصيات الـوطنية والأكاديمية والحقوقية والاعلامية وكل المحامين والقضاة الذين وجّهوا إليّ النداء..
قرأت، مشكورا، رسالتكم المؤثّرة وأعدت قراءتها بكل افتخار واعتزاز مرارا ومرارا. حفظت أسماءكم، إسما إسما وعند كل اسم أزداد فخرا وشعورا بالأمل والعزّة وازددت ايمانا بأنّ في تونس نساء ورجال حرائر وأحرار إتسمن واتسموا بالشجاعة...أحببن وأحبّوا بلادهم وأبين وأبوا التخلي عن القيم النبيلة وترك المجال للهمجية الزاحفة.
نـداؤكم كان له الوقع الكبيرعليّ.. كان غاليا على القلب ..إلاّ أنّ حرّيتي ، هي الأخرى، غالية.. هذا شوط قطعته ولكن تنتظرنا جميعا أشواط أخرى تكون فيها المعركة معركة جماعية، نخوضها برفقة المنظمات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني والتنظيمات السياسية ونخب البلاد خلف شعبها الواعي والمتماسك بثورته وقيمها والرافض للردة والعودة إلى وراء الوراء أي إلى زمن الاستبداد والقمع وسلطة الفرد الواحد.
دمتم صرحا للحرية وقلعة ضد الاستبداد.
رسالة رابعة:
إلى الصديقة سنية الدهماني والمحامي الشجاع الفذ مهدي زقروبة الذي لم يحالفني الحظ ان اعرفه ولكن سمعت عن صدقه ونضاله الشىء الكثير.
الى الاصدقاء مراد الزغيدي، برهان بسيس زيــاد الهاني ، محمّد بو غلاّب، هيثم المكي، ماهر حنين ، سفيان بن حميدة، عامر عيّاد والصحفية شذى بن مبارك وكل المحامين والصحافيين الأحرار والمدوّنين صنّاع الرأي الملاحقين والمعتقلين من أجل آرائهم وأفكارهم ومن أجل الدفاع عن قيم الصحافة الحرّة المستقلّة، والمحاماة الحرة المناضلة المدافعة عن حقوق المواطنين وحرياتهم…لكم منّي كلّ المساندة وكل التضامن.
جميعنا في محنة واحدة. محنة كبرت وتوسّعت فصارت اليوم محنة الوطن…
إنّما وكما ذكرت ذلك أمام القاضية:
"يستطيع أيّ طاغية أن يقمع ويسجن الجسد إلاّ أنّه لا سلطان له على الفكر وعلى الرأي فهما طليقان يرفرفان بكل حرية ولن يتمكّن أحد من اعتقالهما مهما كان بل إنّهما يُـتـداولان من جيل إلى جيل ومن عصر إلى عصر ومن مكان إلى مكان ثمّ تبنى على أسسهما الأوطان.
العزيزة سنية الدهماني: تسنّى لي رؤية صورتك بجسمك الصغير وهامتك العالية محاطة بملثّمين ضِخــام الجثّة يحملونك بعد اختطافك من عرين المحاماة المناضلة. تألمت وحزّ في نفسي رؤيتك مخطوفة إلى المعتقل أو إلى البؤر المجهولة وقد كنت أتابعك باهتمام وأستمع إليك كل ليلة من زنزانتي..
حرمونا منك…ولكن الحرمان لن يطول، هو فقط إلى حين.
ستعودين…رغم أنفهم أنت عـــائدة…بجسدك الصغير وهامتك الكبيرة أوقدتِ شعلة في أجساد باردة. تحيّة قلبية إليكم جميعا وإلى أمثالكم المناضلين دفاعا عن حرية التعبير وعن الفكر الحر والكلمة الحرة.
رسالة خامسة:
رسالة خاصّة إلى كلّ المناضلات والمناضلين الذين وقفوا ولا زالوا يقفون وقفة الأحرار ضد الانقلاب. مواطنون لا يجمعهم سوى تعلّقهم بقيم الحرية وقيم الوطنية.
ألائك الذين ارتفعت أصواتهم وقتما صمت الجميع ووجدت نفسي بينهم على أرضية حب الوطن وحسن الخلاف.
كنّا نؤمن بأنّ بستان تونس متعدّد الألوان به ألف زهرة وزهرة وبأنّ الأوطان تبنى أيضا بالمشترك فهي على الشياع ملك الجميع ولا ولن تبنى بالشقاق والتنافر وبرفض الآخر وبنفي الاختلاف وبكسر وحدة الشعب.
سنلتقي مرّة أخرى في الساحات لنهتف معا لعزّة تونس ومجدهـــا مــواطنون ضد الانقلاب.
الى اللقاء ودمتم ودام الوطن.
من أجلكم جميعا وتفاعلا مع نداءاتكم الصادقة والمؤثّرة قرّرت تعليق إضراب الجوع إلى حين لأنّ:
" وقت الرحيل لم يحن بعــد"
جوهر بن مبارك
من معتقل المرناقية