عندنا مدّة والاحزاب "الثورية" وجماهيرها تتبادل القصف وتحمل بعضها البعض مسؤولية ما وصلت اليه الحياة السياسية من رداءة وعبث. لننظر الى المسالة بموضوعية وللتاريخ.
في نهاية حقبة حكم 14/19 كانت المؤشرات تدل على انهزام فكرة الثورة وتراجعها وتراجع تعبيراتها السياسية في إنتخابات 2019 ولكن حدث العكس وجاء خيار الشعب واضحا وقويا ليقول "تونس اليوم خير رغم كلّ شي" واعطى للقوى التي واجهت الاستبداد مجتمعة ايّام الجمر اغلبية مريحة في الانتخابات التشريعية وارفقها برسالة مزلزلة في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية مفادها ان خطاب الثورة واستحقاقاتها ما زال خفّاقا في قلوب الأغلبية الساحقة لبنات وابناء تونس.
كانت النتائج وخيارات الشعب الكبرى ارضية صلبة لتشكيل "كتلة تاريخية" متنوّعة ولكن بأهداف مشتركة ذات بعد تاريخي أكثر منه سياسي، أهداف هي في الحد الأدنى تثبيت النقلة الديمقراطية و الاجتماعية نهائيا و تصفية ادوات الحكم التقليدية بما يسمح بوضع البلاد على طريق الحداثة السياسية دون رجعة. الغاية هي ان تصبح تلك الأهداف قيم جماعية تمثّل مرتكز التعايش السياسي ومقدّمات المشروع الوطني المشترك بين جميع ابناء البلد الواحد اي "القاعدة الجمهورية المشتركة".
كانت تلك نقطة انطلاق المرحلة وكانت لو تذكرون حمّالة آمال واحلام وكانت الطريق بديهية، لننظر الآن الى نقطة الوصول: هذه القوى أخفقت في وقت قياسي في كلّ مهامها وهي الآن خارج النسق تنظر عاجزة الى مشهد يعزلها تدريجيا ويخرجها من دائرة الحكم والتغيير بعد ان عجزت عن الإستمرار لأكثر من 6أشهر في السلطة و في ائتلاف جماعي دفعناها اليه دفعا و تحت حجم كبير من الضغط و الاقناع و المحاصرة بالراي العام (بمرور الوقت صرت اعتقد انّه ربّما كان ذلك خطأ).
غريب ان تستمرّ بعد هذا في التراشق بالإخفاق والفشل فيما بينها فالأمر واضح لم تكن هذه القوى جميعها في مستوى النضج ومتطلبات المسؤولية التاريخية الرحبة وفضّلت عليها اللعبة السياسية الضيّقة الصبيانية والعبثية دون استثناء يذكر.
لقد فعلتم بأنفسكم أكثر مما كان يتمناه أعداؤكم بكم بعبث غير مسبوق. في يوم ما سأكتب عن "كرونولوجيا" الاخفاق الجماعي وكيف اجتهدت بالتداول كلّ القوى والأحزاب المعنيّة على تحقيق المستحيل في مجال الإخفاق.
الخلاصة: المهمّة لم تنجز بعد ولكنّها حيّة وستجد في المستقبل قوى قادرة على تحمّل أعباءها ولا يجب ان نخسر مزيدا من الوقت.